مسرح الطفل الجزائري (عز الدين جلاوجي أنموذجا

Abstract

‫أصبح الاھتمام بأدب الطفل مح ّ العنایة البالغة في العصر الحاضر لاسیما عند الدول‬ ‫ل‬ ‫المتقدمة التي اعتنت بعالم الطفل عنایة خا ّة ، وجعلتھ من أھم محاور اھتمامھا وموقعا‬ ‫ص‬ ‫ھا ّا ، وجعلت مجموعة المستقبل تشعر بوجودھا القائم بك ّ خصوصیاتھ ، وأن تھیئ لھا‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫الوسائل والاستعدادات التي تجعلھا ترث سلفا وتأخذ منھ المشعل لتخط َ بھ خطوات ِأخرى‬ ‫و‬ ‫نحو مستقبل أفضل في ك ّ المیادین ، ومن ھنا كان على الكّاب )أدباء وعلماء( المبدعین أن‬ ‫ت‬ ‫ل‬ ‫یكتبوا لذلك العالم الصغیر .‬ ‫ومن ھذا المنطلق قد اّسع نطاق المسؤولیة فلم یصبح تھذیب الطفل وتكوینھ مقتصرا‬ ‫ت‬ ‫على الوالدین أو المعلم ، وإ ّما أصبح یشمل ك ّ الأطراف المعنّة بتنشئتھ من أصغر مؤ ّسة‬ ‫س‬ ‫ی‬ ‫ل‬ ‫ن‬ ‫اجتماعیة إلى أوسع المرافق الثقافیة و التربویة ، منھا الوسائل ال ّمعیة البصریة التي قامت‬ ‫س‬ ‫بدورھا نحو ھذا ′′ العالم الصغیر′′ تبعا لتق ّم الدراسات الإنسانیة والاجتماعیة ، وتط ّرھا‬ ‫و‬ ‫د‬ ‫ال ّریع شأن ك ّ تط ّر في جوانب الحیاة المختلفة التي انتشرت انتشارا واسعا ، فصارت‬ ‫ل و‬ ‫س‬ ‫جزءا من حیاتھ الیومیة .‬ ‫واعتبر النھوض بأدب الأطفال مظھرا من مظاھر التط ّر والتقدم لا ینبغي أن یغفل عنھ‬ ‫و‬ ‫لأّھ جزء من التقدم الحضاري الذي لا یعرف التجزئة ، لأ ّ أدب الطفل ھو النتاج الأدبي‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫الذي یتلاءم مع الأطفال ویناسبھم حسب مراحلھم العمریة في مختلف جوانبھ منھا : إعادة‬ ‫الطفل إلى الكتاب بتقدیم كل ما ھو مش ّق وجذاب في مضمونھ وشكلھ ، وفي تقدیم كل ما‬ ‫و‬ ‫ھو مفید في برامج الأجھزة المرئیة للأطفال حتى یكون إقبالھم لھا بشكل كبیر، إن نجحت‬ ‫في تقدیم كل مالھ علاقة بالطفل من قریب أو بعید ، إضافة إلى المیادین الأخرى التي‬ ‫أصبحت مح ّ العنایة البالغة عند الكثیر من الكتاب ، وأصبح التنافس حولھا أمرا مھما للغایة‬ ‫ل‬ ‫منھا : الشعر والقصة والمسرح والأفلام المرئیة وغیرھا من الأعمال التي تجعل الطفل‬ ‫یشعر بوجوده في الحیاة ، ویأخذ منھا أھدافا وقیما یتقید بھا في مشواره الحیاتي.‬ ‫ق‬ ‫عقولھم ، ویعرض علیھم ما یتقبلونھ ویرضونھ .‬ ‫لأن عالم الطفولة ش ّاف تتشكل مفرداتھ من البراءة والنقاء والبھجة والأحلام ، ویحتاج‬ ‫ف‬ ‫الطفل إلى التوعیة والتوجیھ والنصح والتعلیم أكثر مما ھو في حاجة للمرح ، و ھو ما‬ ‫تضطلع بھ الأسرة والمؤسسات التربویة باعتباره الثروة الأساسیة والحقیقیة للأمة ، تبدأ ھذه‬ ‫المرحلة من الولادة وتنتھي عند البلوغ‬ ‫وھي أھم مراحل الحیاة عند الإنسان وأكثرھا خطورة ، لأ ّ فیھا تتفتق كل المواھب ، وتبرز‬ ‫ن‬ ‫مؤھلاتھ وتنمو مداركھ وتظھر مشاعره وإحساساتھ واستعداداتھ ، وتتجاوب قابلیتھ مع الحیاة‬ ‫سلبا أو إیجابا ، كما تتحدد اتجاھاتھ نحو الخیر والشر وفیھا تأخذ شخصیتھ بالبناء والتكوین .‬ ‫في مرحلة الطفولة یحتاج الطفل إلى رعایة عقلیة ونفسیة واجتماعیة أكثر ، فھو مثل‬ ‫الأرض الصالحة للاستنبات تؤتي أكلھا في مستقبل حیاة الطفل ، وھذا كلھ یتطلب من‬ ‫المبدع أن یكون ملما بقدر كاف من دنیا الطفل ومطلع على مراحل نموه والخصائص التي‬ ‫تتمیز بھا كل مرحلة ، كي یسھل علیھ الكتابة للأطفال سواء في القصة أو الشعر أو الأنشودة‬ ‫أو المسرح وغیرھا من الفنون الأدبیة الأخرى التي لھا علاقة بثقافة الطفل ، لأن الكتابة‬ ‫للأطفال ھي أصعب شيء یقف أمام طریق المبدع أو الأدیب .‬ ‫ویبقى ھذا النوع من الكتابة المو ّھة للأطفال قلیلا في الجزائر مقارنة مع سابقتھا من‬ ‫ج‬ ‫حیث الدراسات والأبحاث التي تمنحھ الصورة الأدبیة والفنیة ، وھذا كلھ بسبب التأخر عن‬ ‫الأقطار الغربیة والعربیة على حد سواء كما وكیفا ،وھاھي الآن تسعى جاھدة لسد ذلك الفراغ‬ ‫وتعویض ما فاتھا من سنوات الجھل والتخلف والجمود التي فرضھا الاستعمار الفرنسي‬ ‫صلة بالطفل ، غیر أ ّ ھناك محاولات سعت لإثراء الساحة الأدبیة بھذا الّون على الاختلاف‬ ‫ل‬ ‫ن‬ ‫في مستوى الكتابة بین جیلین - جیل ما قبل الاستقلال وجیل ما بعد الاستقلال - .‬ ‫من بین ھؤلاء الكتاب محمد العابد الجیلالي سماتي ، محمد الصالح رمضان ، محمد‬ ‫الصالح بن عتیق ، جلول أحمد البدوي ، أحمد بن ذیاب ، وأحمد بودشیشة ، لخضر بدور‬ ‫ومحمد قادري ، وعز الدین جلاوجي ... ، حیث یعتبر ھذا الأخیر من بین الأصوات الأدبیة‬ ‫التي حققت نجاحا كبیرا في مجال الإبداع في أدب الطفل .‬ ‫ومن ھذا المنطلق حاولت جاھدة أن أسّط الضوء على أعمالھ الأدبیة ، لأّھ یعد بحق من‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫د‬ ‫أبرز الذین أبدعوا في مجال الكتابة للأطفال في القصة وخا ّة المسرح ،لأّھ أراد أن یس ّ‬ ‫ن‬ ‫ص‬ ‫ذلك الفراغ الموجود في المكتبات الجزائریة .‬ ‫ولتجلیة الرؤیة حول ھذا الموضوع استعنت ببعض المصادر والمراجع التي لھا صلة‬ ‫بھذا البحث منھا : عز الدین جلاوجي ′′أربعون مسرحیة للأطفال ′′ ، والربعي بن سلامة‬ ‫′′النص الأدبي للأطفال في الجزائر والعالم العربي′′ ،و محمد مرتاض ′′من قضایا أدب‬ ‫الطفل′′ ، و العید جلولي ′′ النص الأدبي للأطفال في الجزائر′′ ، بالإضافة إلى بعض‬ ‫المصادر والمراجع المتعلقة بأدب الطفل عامة .‬ ‫ُع ّ مسرح الطفل من الفنون الأدبیة التي مازالت تفتقر للدراسات النقدیة الجزائریة الحدیثة.‬ ‫ید‬ ‫وبناء على ذلك فإن موضوع بحثي الموسوم بـــــ ′′ المسرح في أدب الطفل الجزائري‬ ‫- عز الدین جلاوجي أنموذجا ′′- انبثق من الّقص الكبیر في ظھور الدراسات التي تھتم‬ ‫ن‬ ‫بمسرح الطفل في الجزائر عموما .‬ ‫ترجع أسباب اختیاري لھذا الموضوع :1- برغبة م ّي لأني عندما قرأت أعمال الأستاذ عز‬ ‫ن‬ ‫الدین جلاوجي وجدتھا بحق تستحق الدراسة وھذا لیس فقط في المسرح وإّما في كامل‬ ‫ن‬ ‫أعمالھ الأدبیة ، كما أ ّ ھذا الاختیار كان نفسھ الذي ق ّمھ لي أستاذي الكریم الدكتور مونسي‬ ‫د‬ ‫ن‬ ‫حبیب بجامعة الجیلالي الیابس - ولایة سیدي بالعباس-‬ ‫الفراغ في الدراسات المتخصصة في مجال أدب الطفل .‬ ‫3- لاحظت أ ّ ھذه الدراسة قد تزید من تشجیع المبدعین لمواصلة أعمالھم الأدبیة جاھدین‬ ‫ن‬ ‫للوصول إلى مكانة سامیة في مجال الإبداع .‬ ‫4- تفتح آفاق للبحث في أعماق ھذه الدراسة مع منح صورة واضحة للقارئ الجزائري‬ ‫والبلدان الأخرى حول ھذا الأدب وأین وصلت مكانتھ في بلادنا .‬ ‫إذن فإلى أي مدى استطاع المبدع عز الدین جلاوجي أن یرقى بھذا الفن ویجعلھ في‬ ‫خدمة الطفل الجزائري والعربي مع أنھ لا یزال حدیثا نسبیا؟.‬ ‫تحدید منھجي للدراسة :‬ ‫لتتبع نشأة وتطور ھذا الأدب في الساحة الأدبیة والثقافیة بعامة ، اعتمدت المنھج التاریخي‬ ‫لرصد الخطوات الأولى لھذا الأدب ومدى تقدمھا .‬ ‫أماما تعلقبالجانبالموضوعاتي والفنيفإ ّياعتمدتعلى المنھج التحلیلي لمقاربة الموضوعات‬ ‫ن‬ ‫) المحاور( من جھة ، والوقوف على العناصر الفنیة المكونة للعمل الأدبي من جھة أخرى.‬ ‫ومن ھذا المنطلق حاولت تقسیم بحثي إلى مدخل وثلاثة فصول ، وخاتمة وملاحق ،عنونت‬ ‫المدخل بـــــ ′′ أدب الطفل النشأة والتطور ′′ تطرقت فیھ إلى مفھوم أدب الأطفال ، ثم أدب‬ ‫الطفل بین الإبداع والتلقي ، كما تتبعت نشأتھ في الآداب العالمیة وفي العالم العربي ، ثم‬ ‫الجزائر .‬ ‫أما الفصل الأ ّل تناولت فیھ ′′ ال ّص المسرحي في أدب الطفل الجزائري ′′حیث تط ّقت‬ ‫ر‬ ‫ن‬ ‫و‬ ‫فیھ إلى مفھوم المسرح لغة واصطلاحا ، ثم مفھوم مسرح الطفل عامة ، والفرق بین قصة‬ ‫الطفل ومسرح الطفل، ثم نشأة مسرح الطفل في العالم الغربي والعالم العربي ، ومن ثم تتبعت‬ ‫نشأتھ في الجزائر عبر المراحل التالیة : مرحلة ما قبل الاستقلال التي تمثلت في مرحلة‬ ‫الإصلاح ، وما بعد الاستقلال التي كانت الأثرى والأوسع من جانب الكم والكیف ومرحلة‬ ‫التطور والازدھار التي شھدھا الوقت الحالي ، ولكل مرحلة ظروفھا وملابساتھا .‬ ‫یتأّر الطفل بالمسرح ، والمراحل العمریة التي یمر بھا الطفل وخصائصھا ، وأھمیة ووظیفة‬ ‫ث‬ ‫مسرح الطفل ، و التربیة في مسرح الطفل .‬ ‫والفصل الثاني عالجت فیھ ′′موضوعات ال ّص المسرحي في أدب الأطفال عند عز الدین‬ ‫ن‬ ‫جلاوجي ′′ ، ركزت فیھ على الأھداف والقیم المتضمنة في موضوعاتھ والجانب الأخلاقي‬ ‫لما یمتاز بھ إبداع أدیبنا .‬ ‫فیما یخص الفصل الثالث والأخیر قد خصصتھ ′′ لدراسة دلال ّة لنماذج مسرحیة عند‬ ‫ی‬ ‫عز الدین جلاوجي ′′ عالجت فیھ مسألة الطفل وعلاقتھ بھذه الخصائص الفنیة من حیث :‬ ‫العنوان والأفكار ، والشخصیات والحدث ، واستنباط الأھداف التربویة السلوكیة والمعرفیة‬ ‫والبیئة من حیث )الزمان والمكان( ، والأسلوب واللغة من حیث : الإیقاع الصوتي والتكرار‬ ‫والتشاكل والتقابل والحذف ، والحوار واللون ، ودلالة بعض العبارات الواردة في النصوص‬ ‫المسرحیة والحقول الدلالیة .‬ ‫وخصصت الملاحق أولا بالانطباعات الشخصیة للأطفال ، والسیرة الذاتیة للكاتب عز الدین‬ ‫جلاوجي ، والنصوص المسرحیة ، وأھم المنشورات المسرحیة المنشورة للأطفال ما بین‬ ‫)8391م إلى 9002م( ، وملحق خاص بتراجم بعض كّاب مسرح الطفل في الجزائر‬ ‫ت‬ ‫وأنھیت ھذه الدراسة بخاتمة أثبت فیھا نتائج البحث .‬ ‫ومن العقبات التي واجھت طریقي في ھذا البحث كثرة الجانب التنظیري لأدب الطفل‬ ‫وندرة الدراسات المتعلقة بالجانب التطبیقي ، ویضاف إلى ھذا صعوبة تطبیق الأعمال الموجھة‬ ‫للأطفال ، وھذا كلھ راجع إلى الفراغ ال ّھیب الذي تحیاه الساحة الثقافیة والأدبیة في الجزائر .‬ ‫ر‬ ‫وأخیرا لا أ ّعي بأ ّ ھذه الدراسة قد أحاطت أو ق ّمت ك ّ ما لھ صلة بمسرح الطفل عند‬ ‫ل‬ ‫د‬ ‫ن‬ ‫د‬ ‫ن‬ ‫الأستاذ عز الدین جلاوجي ، ولكن آمل أن تكون ھذه المبادرة قد س ّت ثغرة في ھذا المجال ، لأ ّ‬ ‫د‬ ‫ھذا الأدب بحاجة إلى المزید من الجھود في مجال التحلیل وال ّرس النظري في الجزائر لیصبح‬ ‫د‬ ‫مثل الدول العربیة الأخرى التي سبقتنا في ھذا المجال ، وفي الوقت نفسھ دعوة إلى كل‬ ‫المھتمین بالطفولة لیسھموا في مثل ھذه الدراسات‬