DSpace
 

Dspace de universite Djillali Liabes de SBA >
Mémoire de Magister >
Droit >

Veuillez utiliser cette adresse pour citer ce document : http://hdl.handle.net/123456789/541

Titre: دور المنظمات غير الحكومية في حماية البيئة
Auteur(s): HEDJINE, Sofiane
AGHA, Djamila
Date de publication: 17-avr-2013
Résumé: في مجال حماية البيئة كما في المجالات الأخرى، تبقى الدّول هي المسيطرة، حيث أنّها تملك سلطة القرار، التمويل، المراقبة، كما تملك سلطة القمع والردع وتوقيع الجزاء أحياناً. ورغم ذلك تبقى الدّول في حالة عجز كما صرح بذلك السيد سميرالدي روبيرتو "Smiraldi Roberto" رئيس المنظمة الدّولية لأصدقاء الأرض في مداخلته الافتتاحية أمام المؤتمر العالمي للمنظمات غير الحكومية حول البيئة والتّنمية، والمعروف بمؤتمر ياوانانشي "Yawananchi"، الذي جمع ألفاً منها، وعقد بالعاصمة الفرنسية باريس في شهر ديسمبر من عام 1991. فالدّول مقيدة بمنطق الأجهزة، وقدرة تحركها محدودة بفعل البحث عن التوازنات ومراعاتها، كما أنّها تخضع لضغوط الشركات المتعددة الجنسية، وهي محكومة بالمصالح الخاصة الضيقة الحزبية وغير الحزبية، وهي تواجه المخلفات الإجتماعية لقوى اقتصادية عالمية لا تخضع لمراقبتها ''قوى السوق''، وهي جميعا حدود يصعب تجاوزها. ومن جهتها فإنّ المنظّمات الدّولية الحكومية تشكو من عوائق عديدة تحول دون تأديتها لواجباتها على أكمل وجه، على اعتبار أنّها تستمد إرادتها من إرادة الدّول المنشئة لها، بالإضافة إلى مشاكل التمويل والتداخل في الصلاحيات والتضخم البيروقراطي. ونظرا لكون الأضرار البيئية لا تمس فرداً بذاته ولا فئة دون الأخرى، ولكنها تعود بأضرارها على المجتمع بأسره، ترسخ في أذهان الجميع مدى أهمية الحفاظ على البيئة، وما لها من قيمة سامية، تفوق في أهميتها معظم القيم الأخرى، كل ذلك دفع بالمهتمين على الصعيد الدّولي إلى مطالبة الحكومات المشاركة في مؤتمر ريو دي جانيرو بالبرازيل عام 1992، بضرورة فتح المجال للمنظمات المستقلة التي يكون لها الحق في الدفاع عن البيئة من الأضرار التي تلحق بالثروات الطبيعية، وكل ما يتعلق بعناصر البيئة في حد ذاتها. وعليه فإنّ المتدخل الثالث في مجال حماية البيئة على المستويات العالمية والجهوية والمحلية هو المنظّمات غير الحكومية، التي حققت العديد من الإنتصارات، وغيّرت الكثير من السياسات الخاطئة، بالإضافة إلى كونها قد حظيت بثقة المواطنين، ولم يكن لها لتبلغ هذه المكانة، وتلعب ذلك الدور، ويكون لها ذلك التأثير على السياسات الوطنية ومتعددة الأطراف، لولا جملة من الميزات التي تتمتع بها، والتي تشكل جوهر وسر نجاحها، والتي تتلخص في كونها تنتمي إلى الفضاء الديمقراطي، وذلك حتى في دول الجنوب (دول العالم الثالث)، أين يتمتع هذا الشكل من التنظيم بصدى إيجابي وطيب غالبا ما فقدته الأحزاب السِّياسية، وبالتالي فهي تساهم في تراجع الأنظمة الشمولية، كما أنّها مستقلة نسبيا عن المصالح المالية الكبرى وعن الأنانية الحكومية، كما أنّ هذه المنظّمات تتمتع بقدرة التواجد في الميدان وبمرونة كبيرة في التدخل. وخلاصة القول أنّ أهمية مشاركة المنظّمات غير الحكومية في حماية البيئة، تكمن في أنّها تتدخل لتغطي النقص الناتج عن الخيارات الحكومية في مجال هذه الحماية، وذلك من خلال قيامها بدور الجماعات الضاغطة ونضالها الميداني، وهو ما أكسبها مصداقية وإقبالاً كبيراً من قبل الدّول والمنظّمات الدّولية الحكومية وحتى الأفراد العاديين. وتنبع أهمية دراسة موضوع: ''دور المنظّمات غير الحكومية في حماية البيئة''، من كونها تسعى لطرح موضوع لا توجد في شأنه دراسة متكاملة باللغة العربية – على حد علمنا- وإن وجدت فإنّها تفتقر إلى وجود معالم واضحة تميِّز ما بين المنظّمات غير الحكومية وأدوات المجتمع المدني الأخرى، الأمر الذي أدى إلى ضياع هويتها وذاتيتها الخاصة، وخلطها عن عمد بالجمعيات تارة أو عن سهو تارة أخرى، علاوة على أنّ الدراسات التي أجريت باللغات الأجنبية حول هذا الموضوع توصف بأنّها قليلة بل وناذرة وتفتقر إلى النظرة الشاملة والمتكاملة لمثل هذا الموضوع الهام. وقد انعكس ذلك على فقهاء وأساتذة قانون حماية البيئة فلم تتضمن مؤلفاتهم وكتاباتهم عن دور المنظّمات غير الحكومية في مجال حماية البيئة سوى القليل من الصفحات وأحياناً الفقرات، وقد يكون لذلك بعض العذر فيما مضى من السنوات، ولكن في ظل التطورات والمتغيرات التي يمر بها العالم اليوم نعتقد أنّ هذا الموضوع يستحق مزيداً من الإهتمام والعناية، خاصة وأنّه يقدم إسهام نظري يحقق قدر الإمكان الفهم المتعمق لماهية المنظّمات غير الحكومية، ويسهم في كشف كثير من أوجه الأدوار التي تقوم بها في سبيل تحقيق الحماية الفعالة للبيئة ومختلف عناصرها. من هنا كان اختيارنا لهذا الموضوع – والذي يُعد من المواضيع الحديثة- خروجاً عن المواضيع المألوفة، والتي تناولت موضوع حماية البيئة، والتي طرحت من ذي قبل، وكذلك للأهمية التي يحظى بها. وحاولنا من خلال هذا الموضوع دراسة أهم ما يتعلق بالمنظّمات غير الحكومية ودورها في مجال حماية البيئة، وذلك من خلال الإحاطة بالإطار العام لنظرية المنظّمات غير الحكومية، ودور هذه المنظّمات في مواجهة التحديات البيئية التي أفرزتها الحضارة الحديثة من أجل سلامة البشرية من جانب، وسلامة البيئة من جانب آخر، خاصة بعد ارتفاع معدلات التلوّث في جميع أنحاء العالم، وازدياد الأخطار الناجمة عنه. وعلى ذلك كانت الإشكالية أو بالأحرى الإشكاليات الرئيسية التي يطرحها هذا البحث، تتمثل فيما يلي: فيما تتجلى أهمية ونجاعة تدخل المنظّمات غير الحكومية في مجال حماية البيئة والمحافظة عليها من كافة أشكال التلوّث والأضرار؟ وإلى أي مدى وُفِقت المنظّمات غير الحكومية في ذلك؟ وهل استطاعت فعلاً المنظّمات غير الحكومية من خلال آليات التدخل المستعملة تحقيق الهدف المنشود وهو إعادة نوع من التوازن المفقود إلى النظام البيئي؟ ولبحث هذه الإشكاليات – من شتّى جوانبها- اعتمدنا على منهجين رئيسيين: المنهج الوصفي والمنهج التحليلي. حيث استخدمنا أسلوب البحث الوصفي لوصف الظاهرة المراد دراستها، واستخلاص أهم النتائج التي يمكن التوصل لها من حيث مفهومها ونظامها القانوني. كما اعتمدنا أسلوب البحث التحليلي، لأنّ تحديد مدى فعّالية تدخل المنظّمات غير الحكومية في مواجهة التحديات البيئية تقتضي منا تحليل هذا الدور وتمحيصه، بالشكل الذي يجعلنا نتبيّن مدى كفايته أو قصوره، ومدى فعّالية الحماية التي يحققها على أرض الواقع بشأن مختلف المصالح البيئية المشمولة بالحماية. الفصل الأوّل: ماهية المنظّمات غير الحكومية. إن دراسة الإطار العام لظاهرة المنظّمات غير الحكومية يقتضي في نظرنا أن نبحثه على مستويين: المبحث الأوّل: مفهوم المنظّمات غير الحكومية. إن تزايد المنظّمات غير الحكومية في الساحة الدولية، ونظراً للمكانة التي أصبحت تحتلّها، يجعلنا نتساءل عن ما هو المقصود بهذه المنظّمات؟ المطلب الأوّل: تعريف المنظّمات غير الحكومية. يتعيّن علينا عرض نماذج لأهم التعاريف المقدمة للمنظمات غير الحكومية، بحيث تندرج محاولات تعريفها في اتجاهين: الأوّل فقهي والثاني قانوني. الفرع الأوّل: التعريف الفقهي. لقد عرّف الأستاذ فوينتيس فيليز جوان أندرس "Fuentes Véliz Juan Andrés" المنظّمات غير الحكومية بأنها: « تنظيمات خاصة تنشأ باتفاق بين الأفراد، فبإرادتهم يقرّرون تأسيس منظمة غير حكومية، يقع مقرّها في إحدى الدول، ويمكن أن يكون لها فروع في دول أخرى». الفرع الثاني: التعريف القانوني. لم يتم الاعتراف بالمنظّمات غير الحكومية من الناحية القانونية على المستوى الدولي إلا في عهد هيئة الأمم المتحدة حيث نصت عليها المادة 71 من الميثاق، ولقد تضمن القرار رقم 288 الصادر عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع لمنظمة الأمم المتحدة تصوّراً قانونيا لهذه الهيئات بنصه: « أية منظمة لم ينشئها اتفاق حكومي دولي، تعتبر منظمة غير حكومية»، وقد دعمه القرار رقم 1296 الصادر عن نفس الهيئة بنصه على: « أية منظمة لم ينشئها اتفاق حكومي دولي، تعتبر منظمة غير حكومية في إطار تطبيق هذا القرار، ويدخل في نطاق هذه المنظّمات تلك التي تقبل في عضويتها أعضاء تقوم بتعيينهم السلطات الحكومية، بشرط ألا يعرقل الأعضاء المنتمين لهذه الفئة حرية التعبير عن آراء المنظمة». ثم تلاه القرار رقم 31 الذي ينظم التعاون بين المجلس الاقتصادي والاجتماعي والمنظّمات غير الحكومية التي تتمتع بالمركز الاستشاري طبقا للمادة 71 من ميثاق الأمم المتحدة، والذي عدّل بالتعريف السابق على النحو التالي: « أيّة منظمة لم ينشئها كيان حكومي أو اتفاق حكومي دولي، تعتبر منظمة غير حكومية في إطار تطبيق هذا القرار، ويدخل في نطاق هذه المنظّمات تلك التي تقبل في عضويتها أعضاء تقوم بتعيينهم السلطات الحكومية، بشرط ألا يعرقل الأعضاء المنتمين لهذه الفئة حرية التعبير عن آراء المنظمة». المطلب الثاني: خصائص المنظّمات غير الحكومية. إن صعوبة إحاطة المنظّمات غير الحكومية بتعريف شامل دقيق ومقبول لا يمنع في المقابل من تحديد وحصر أبرز خصائصها، بحيث تتميز أساسا بأنّها: الفرع الأوّل: الطابع الخاص لتأسيسها. تقوم المنظمة غير الحكومية على أساس المبادرة الحرة للأشخاص الطبيعيين و/أو المعنويين المستقلين عن أي تبعية حكومية، إذ أنّ هؤلاء هم منشئوها، وعليه فإنّها نتاج اتفاق يعقد بين الخواص لا بين الدول أو الحكومات، ولقد أجمع الفقه على أن هذه الخاصيّة هي الفيصل في تمييزها عن المنظّمات الدولية الحكومية. الفرع الثاني: الطابع الدولي في تشكيلها وأهدافها. يعتبر انتماء الأعضاء المكونين للمنظمة غير الحكومية لأكثر من دولة وامتداد أهدافها لدول أخرى من المعايير الهامة في تكوينها. وفي هذا الإطار ذهب معهد القانون الدولي الفرنسي إلى أنه يمكن إضفاء الصبغة الدولية على المنظّمات الطوعية التي يمكن الوصول إليها وفق الشروط المحددة في قوانينها الأساسية من طرف أشخاص أو جمعيات تنتمي إلى دول كثيرة، ويكون مبتغاها تحقيق هدف ذا منفعة دولية. الفرع الثالث: الطابع التطوّعي والمجاني لنشاطها. تتميّز المنظّمات غير الحكومية بأنّها تقوم على أساس تطوّعي (bénévolat)، أي أنها تدار وفق مبادئ العمل المجاني والطوعي دون أن تستهدف تحقيق أرباح من وراء نشاطها وتوزعها على أعضائها، أي أنه إذا تحققت أرباح فلا يتم ولا يمكن توزيعها باعتبارها أرباحاً بل تستخدمها في تحقيق الأهداف التي قامت من أجلها. المطلب الثالث: معايير تصنيف المنظّمات غير الحكومية. تظهر أهمية مشاركة المنظّمات غير الحكومية في تقديم الخدمات في المجالات المختلفة التي تهتم بها وهو ما جعل صيتها يعلو ويتسع، واستناداً على ما سبق نجد أن هناك تعدد في أنواع المنظّمات غير الحكومية. الفرع الأوّل: المعيار الجغرافي. ويصنف هذا المعيار المنظّمات غير الحكومية إلى ثلاثة فئات: الفئة الأولى: المنظّمات الوطنية غير الحكومية. وهي تلك المنظّمات التي تمارس نشاطها داخل نطاق محدد ومحصور، وهو إقليم الدولة التي نشأت في نطاقه، أي أنه لا يمتد نشاطها خارج حدود هذه الدولة إلى دولة أو دول أخرى. الفئة الثانية: المنظّمات الإقليمية غير الحكومية. واستناداً على المعيار الجغرافي نجد المنظّمات الإقليمية غير الحكومية وهي تلك المنظّمات التي تنشط في منطقة معيّنة مثل المنظمة العربية لحقوق الإنسان، وكذا المنظّمات غير الحكومية الأوربية والآسيوية والأمريكية والإفريقية. الفئة الثالثة: المنظّمات الدولية غير الحكومية. وهي تلك المنظّمات التي تمارس نشاطها في مختلف أرجاء العالم، دون أن ينحصر عملها في إقليم معيّن، ويمكن وصفها بالمنظّمات العابرة للحدود. الفرع الثاني: المعيار الوظيفي. ووفقا لهذا المعيار يمكن التمييز بين خمسة فئات من هذه المنظّمات: الفئة الأولى: وتتمثل في المنظّمات التي تحصر نشاطها ومجال عملها في إطار تقديم الخدمات الاجتماعية من تعليم وعلاج وإغاثة عند حدوث الكوارث. الفئة الثانية: وتتمثل في المنظّمات التي تقوم بمهام استشارية. الفئة الثالثة: وتتمثل في المنظّمات التي تكون غايتها ومحور اهتمامها الدفاع عن قضية معينة مثل حماية البيئة وحقوق الإنسان. الفئة الرابعة: وتتمثل في المنظّمات التي تستهدف إكساب الفرد والجماعات، عن طريق مختلف الوسائل، من تعليمن وتدريب، وتنظيم، مزيداً من المؤهلات. الفئة الخامسة: وتتمثل في المنظّمات التي تستهدف جمع وتبادل المعلومات والمعارف والبيانات ونشرها وتوزيعها واقتسام الخبرات وتطوير البحوث. المبحث الثاني: النظام القانوني للمنظمات غير الحكومية. سندرس في هذا المبحث الإطار القانوني للمنظمات غير الحكومية، حيث نتطرق في المطلب الأول إلى الأساس القانوني الذي يستند عليه القانون الخاص بالمنظّمات غير الحكومية، وفي المطلب الثاني نعرّج إلى دراسة الوضع القانوني للمنظمات غير الحكومية ، وفي المطلب الثالث والأخير نحاول تحديد علاقة المنظمات غير الحكومية مع غيرها من الكيانات القانونية. المطلب الأوّل: الأسس القانونية للمنظمات غير الحكومية. دراسة الأسس القانونية للمنظمات غير الحكومية تقتضي منا أن نتناولها في ثلاثة فروع: الفرع الأوّل: الأسس القانونية العالمية. أوّلاً: ميثاق الأمم المتحدة. يُعدّ ميثاق الأمم المتحدة الوثيقة الأهم التي يعود إليها الفضل في ترسيم فكرة المنظمات غير الحكومية، فقد وضع اللبنة الأولى لها من خلال المادة 71 . ثانياً: الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. تستمد المنظمات غير الحكومية شرعيتها من المادة 20 الفقرة الأولى من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948 التي حمت حق الأفراد من خلال نصها: « لكل شخص حرية في الاشتراك في الاجتماعات والجمعيات السلمية». ثالثا: العهد الدولي للحقوق السياسية والمدنية. من بين الصكوك الدولية التي أسست للمنظمات غير الحكومية العهد الدولي للحقوق السياسية والمدنية لعام 1966 فقد تضمن مادتين تؤكدان على أن حق الاجتماع السلمي وحرية التجمع يعتبران دائما حقين يتمتع بهما الأفراد، ففي المادة 21: « يعترف وجوباً بحق الاجتماع السلمي، ولا يجوز تقييد استعمال هذا الحق بأية قيود غير التي يقرّرها القانون وتقتضيها الضرورة في مجتمع ديمقراطي لصيانة الأمن القويم أو السلامة العامة أو النظام العام أو لحماية الصحة العامة أو الآداب العامة أو لحماية حقوق الغير وحرياتهم». وفي المادة 22: «لكل فرد حق في حرية تكوين جمعيات مع آخرين...». رابعاً: قرارات الجمعية العامة والمجلس الاقتصادي والاجتماعي. يتيح نص المادة 71 من ميثاق الأمم المتحدة للجمعية العامة والمجلس الاقتصادي والاجتماعي وضع ترتيبات قانونية بشأن المنظمات غير الحكومية. الفرع الثاني: الأسس القانونية الإقليمية. تستمد المنظمات غير الحكومية شرعيتها على الصعيد الإقليمي من عديد المواثيق نذكر منها: أوّلاً: الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان. تعتبر الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان أوّل وثيقة في مجال حقوق الإنسان مخصصة لمنطقة إقليمية محددة، تركز الاتفاقية على الحقوق المدنية والسياسية، وقد قادت إلى تأسيس أول آلية إقليمية لضمان احترام حقوق الإنسان ألا وهي المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان. ثانياً: الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب. نصت المادة 10 من الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب على أنه: « يحق لكل إنسان أن يكوِّن وبحرية جمعيات مع آخرين شريطة أن يلتزم بالحكام التي حددها القانون. لا يجوز إرغام أي شخص على الانضمام إلى أي جمعية على ألا يتعارض ذلك مع الالتزام بمبدأ التضامن المنصوص عليه في هذا الميثاق». ثالثاً: الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان. تؤكد الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان لعام 1969 على حماية واسعة لحرية التجمع وتكوين المنظمات الطوعية، وذلك في المادة 16، فهي تنص على أنه: «لكل شخص حق التجمع وتكوين جمعيات مع آخرين بحرية لغايات إيديولوجية أو دينية أو سياسية أو اقتصادية أو عمالية أو اجتماعية أو ثقافية أو رياضية أو سواها. لا تخضع ممارسة هذه الحقوق لقيود غير تلك المفروضة في القوانين المحلية». الفرع الثالث: الأسس القانونية الوطنية. يحتاج تأسيس المنظمات غير الحكومية إلى نصوص قانونية وطنية . أولا: الدستور. يعتبر الدستور القانون الأسمى للدولة، وتعتبر كافة النصوص الواردة فيه أعلى مرتبة والأولى تطبيقاً من النصوص الواردة في أي قانون أو نظام أو تعليمات أخرى. ثانياً: قوانين الجمعيات. تعتبر قوانين الجمعيات الأداة الأساسية لتطبيق أحكام الدستور في هذا المجال، بحيث أنها تشكل مصدرا آخر لدعم تأسيس المنظمات غير الحكومية. يدخل في هذا الإطار القانون رقم 12-06 المؤرخ في 12 يناير 2012 والمتعلق بالجمعيات. ثالثاً: القوانين الخاصة. يقصد بالقوانين الخاصة نظام المنظمة الخاص أو الإطار القانوني لها، أو اللائحة التي تنشأ بموجبها المنظمة غير الحكومية، أو الوثيقة التأسيسية أي دستورها. المطلب الثاني: المراكز القانونية للمنظمات غير الحكومية. الوضع القانوني للمنظمات غير الحكومية الذي يمنحها الشخصية القانونية الدولية يتم من خلال وسيلتين: الفرع الأول: المركز الاستشاري. تمكنت المنظمات غير الحكومية الناشطة على الصعيد الدولي، من خلال أنشطتها المتنوعة في مختلف أنحاء العالم، من التأثير على المنظمات الدولية الحكومية، الأمر الذي دفع هذه الأخيرة إلى دعوة المنظمات غير الحكومية للاشتراك في أعمالهما، والتشاور معها في المسائل الفنية، وقد أسفر هذا التعاون المتبادل بينهما عن منح البعض من المنظمات غير الحكومية مركزا استشارياً. الفرع الثاني: مركز المراقب. نظرا للدور الحيوي والمتزايد للمنظمات غير الحكومية في الساحة الدولية، فقد ساهمت في أعمال عصبة الأمم بالرغم من غياب النص الذي يسمح بذلك، وقد عملت هذه المنظمات جاهدة حال إعداد ميثاق الأمم المتحدة، أن يكون بالميثاق نص صريح يسمح بتحديد مركزها القانونين ونتيجة لضغوطها المتزايدة تم النص في المادة 71 من الميثاق على العلاقة الاستشارية بين هذه المنظمات ومنظمة الأمم المتحدة، ونشير إلى أن اللجنة الدولية للصليب الأحمر كانت أول هيئة غير حكومية تحظى بصفة مراقب لدى الجمعية العامة للأمم المتحدة، أما في إطار القانون الدولي البيئي، فإن أول اتفاقية نصت عل مشاركة هذه المنظمات في المناقشات الدولية بعد اتفاقية ستوكهولم لسنة 1972، هي الاتفاقية الأوربية المتعلقة بالمحافظة على الحياة البرية وعلى الوسط الطبيعي لسنة 1979، حيث أنها تسمح بمشاركة المنظمات غير الحكومية العاملة في مجال حماية البيئة في الاجتماعات المعنية بمجال نشاطها بصفة مراقب. الفرع الثالث: التفرقة بين المركز الاستشاري ومركز المراقب. 0 إن المركز الاستشاري هو ذلك الوصف الذي تمنحه المنظمة الدولية الحكومية لإحدى المنظمات غير الحكومية من أجل إقامة علاقات تشاور في النواحي الفنية، ولاستفادة المنظمات غير الحكومية من اشتراكها في أعمال المنظمات الدولية الحكومية. أما مركز المراقب فهو ذلك الوصف الذي تتمتع به الأشخاص أو الكيانات التي لا تتمتع بوصف العضوية في المنظمات الدولية الحكومية، وبالتالي فإن الذي يتمتع به يمكن أن يكون من بين الدول غير الأعضاء، أو المنظمات الدولية الحكومية، أو حركات التحرير الوطنية، أو المنظمات غير الحكومية. المطلب الثالث: العلاقات بين المنظمات غير الحكومية وبين غيرها من الكيانات القانونية. يوجد ثلاث أنواع من العلاقات: بين المنظمات غير الحكومية وبين الدول والمنظمات الدولية الحكومية والمنظمات غير الحكومية. الفرع الأوّل: العلاقة بين المنظمات غير الحكومية والدول. إن الدول هي من يمكنها أن تعطي المنظمات غير الحكومية الوضع القانون المناسب لطبيعتها ووظائفها، لذلك كان لزاماً على هذه المنظمات مراعاة التشريع الوطني لدولة المقر، والدول التي تمارس فيها نشاطها. الفرع الثاني: العلاقة بين المنظمات غير الحكومية والمنظمات الدولية الحكومية. إن علاقة المنظمات غير الحكومية بالمنظمات الدولية الحكومية هي علاقة تكاملية قائمة على التشاور وتبادل المعلومات، وقد منحت العديد من المنظمات الدولية الحكومية المركز الاستشاري لطائفة معينة من المنظمات غير الحكومية. الفرع الثالث: العلاقة فيما بين المنظمات غير الحكومية. لا تتم العلاقة فيما بين المنظمات غير الحكومية إلا في شكل إرادي بسبب الاستقلال والذاتية التي تتمتع بها كل منظمة غير حكومية، وتأسيسا على ذلك يمكن أن يتم التعاون فيما بين هذه المنظمات- وبصورة منظمة- على الصعيد الإقليمي والعالمي، من أجل تنسيق الخطط، وتنفيذ البرامج، لتبادل المعلومات، والعمل معاً بصورة مشتركة، من أجل الاستخدام المشترك للموارد والأموال، وتقويم نظم وإدارة المنظمات غير الحكومية وأنشطتها والعمل على تحسينها. الفصل الثاني: فعّالية المنظّمات غير الحكومية في مجال حماية البيئة. لإبراز أهميّة تدّخل المنظمات غير الحكومية في مجال حماية البيئة، ارتأينا تقسيم هذا الفصل إلى مبحثين. المبحث الأوّل: انعكاس عمل المنظمات غير الحكومية على حماية البيئة. نسعى في هذا المبحث إلى التعرّف على حجم الدور الذي تضطلع به المنظمات غير الحكومية في حماية البيئة، من خلال تحديد مجالات تدخلها في إطار هذه الحماية ثم عرض مراحل هذا التدخل وفي الأخير نتطرق إلى الدور الدولي لهذه المنظمات في حماية البيئة. المطلب الأوّل: مجالات تدخّل المنظمات غير الحكومية لحماية البيئة. ما هي مجالات تدخل المنظمات غير الحكومية في إطار تكريس وتجسيد هذه الحماية؟ سؤال سنحاول الإجابة عليه من خلال الفروع التالية: الفرع الأوّل: المجال البحري. يتعاظم حاليا دور المنظمات غير الحكومية في إظهار مدى التزام الدول ببنود الاتفاقيات الخاصة بحماية البيئة البحرية من عدمه، إذ أنها منظمات ميدانية لها دراية بواقع التلوث البحري ومناطقه، وتزيد الاستقلالية المالية لهذه المنظمات من قوتها وفعاليتها الشيء الذي يجعلها قادرة للضغط على الحكومات لاحترام بنود الاتفاقيات. وتتدخل المنظمات غير الحكومية أيضاً في القضايا المرتبطة بحماية البيئة البحرية والأحياء الطبيعية التي تنمو في وسطها باسم الممارسات الديمقراطية. الفرع الثاني: المجال البرِّي. ويشمل تدخل المنظمات غير الحكومية في هذا المجال: أولاً: مكافحة ظاهرة التصحّر: لعب المنظمات غير الحكومية الدولية أو الجهوية دوراً بارزاً في مجال مكافحة التصحّر، وذلك من خلال المساهمة في تنمية الأراضي، سواء بالتوجيه، المتابعة، والقيام بالمشاريع، بالإضافة إلى ترقية الزراعة البيولوجية. ثانياً: حماية الثروة الغابية. من بين المشاريع المشتركة ما بين المنظمات غير الحكومية والهيئات المالية الدولية والمؤسسات الحكومية في مجال حماية الثروة الغابية، ما أعلنت عنه الحكومة البرازيلية من خلال مؤتمر القمة العالمي للتنمية المستدامة لسنة 2002، عن إعداد برنامج جديد للمحافظة على التنوع البيولوجي يشمل 23 منطقة في الأمازون والأراضي المحيطة به، ويعرف باسم ''المناطق المحمية في الأمازون''، وقد بلغت قيمة هذا المشروع 395 مليون دولار أمريكي، حيث يقوم الصندوق الدولي للطبيعة بالتعاون مع البنك الدولي ووزارة البيئة البرازيلية بتنفيذه. ثالثاً: حماية الأنواع الحيوانية والنباتية. من المنظمات غير الحكومية الناشطة في مجال حماية الحيوانات وعلى وجه الخصوص الطيور المهدّدة بالانقراض، نجد منظمة بيرد لايف أنترناشيونال "Bird Life International" التي دعت إلى التوقيع على المعاهدة الدولية لحماية النورس، باعتبار طائر النورس من أكبر الطيور المهددة بعد أن كشفت عن أكثر من 21 نوع معرّض للانقراض، وتُعدّ جنوب إفريقيا موطنا لأربعة منها . رابعاً: حماية التراث الثقافي والطبيعي العالمي. إن المنظمات غير الحكومية المهتمة بحماية التراث الثقافي والطبيعي العالمي تتمتع بمركز استشاري لدى منظمة اليونيسكو، وذلك من خلال إعداد أدوات المحافظة على التراث الثقافي والمعالم الأثرية، ويمكن لهذه المنظمات أن تشارك بصفة وقائية في المحافظة على هذا التراث من خلال مشاركتها الفعّالة في إعداد هذه الأدوات. الفرع الثالث: المجال الجوّي. لما أصبح هناك وعي تام بخطورة الوضع وبأن مشكلة تلوث الهواء تعالج بتكاثف الجهود، بدأ دور المنظمات غير الحكومية في تنامي مطرد في هذا الشأن. وفيما يلي أهم مجالات تدخلها في إطار حماية المجال الجوي: أوّلاً: في مجال المواد الكيميائية السّامة. هناك نوعان من المنظمات غير الحكومية المهتمة بمسألة المواد الكيميائية السامة، منظمات غير تقنية تهتم بالجوانب العامة للعدوى الكيميائية للبيئة، بدلاً من التركيز على مواد بعينها، حيث يكمن نشاطها الرئيسي في جمع المعلومات ونشرها، وتأثير مجموع نشاطاتها يمكن أن يكون جد هام، أما النوع الثاني منها فيشمل منظمات نصف تقنية وتقنية ومتخصصة، وهي تركز عموما على بعض المواد السامة، أو مجموعات خاصة من المواد الكيميائية، عبر إجراء بحوث أولية أو بحوث معمقة. ثانيا: في مجال الطاقة النووية. يعتبر هذا المجال من أهم مجالات نشاط المنظمات غير الحكومية، ورغم تضارب المواقف حول الموضوع، إلا أن غالبية هذه المنظمات تعارض تطوير الطاقة النووية كمصدر رئيسي للطاقة، ومن بين الحجج المقدمة من طرف المنظمات المعارضة لمثل هذه البرامج نجد: 0 المشاكل المرتبطة بالتخلص الآمن من النفايات المشعة، ذلك أنه يمكن للإشعاعات أن تتسرب إذا تم دفن النفايات الذرية في التربة، أو تم وضعها في صناديق لم تثبت بعد فترة تحملها، ورميها في أعماق البحر، وهذا ما تفعله بعض الدول المتقدمة عن طريق شراء ذمم أصحاب الضمائر الميتة من مسئولي دول العالم الثالث الفقيرة، فتقوم بدفن نفاياتها السامة في أراضي تلك الدول، أو غمرها في بحار هذه الأخيرة، دون الاكتراث لما يسببه ذلك من كوارث وأضرار. لذلك فإن إعلان الجزائر للمنظمات غير الحكومية، الذي اجتمعت فيه أكثر من 5000 منظمة ممثلة للمجتمع المدني للدول السائرة في طريق النموّ، يومي 16 و17 مارس من سنة 2002، لتقييم العشرية الأولى منذ اعتماد جدول أعمال القرن 21، من بين ما جاء في بيانه الختامي، اعتبار العنصرية عقبة أمام تحقيق التنمية المستديمة، وإلى بروز العنصرية البيئية، والتي تتمثل في تصدير النفايات الخطيرة من دول الشمال إلى دول الجنوب. المطلب الثاني: مراحل تدخّل المنظمات غير الحكومية لحماية البيئة. إن كيفية التدخل في مجال حماية البيئة لا يمكن أن تتحدّد بدور معيّن أو وسيلة محدّدة بالذات، إذ أنّ الاعتداءات على البيئة مختلفة الأنماط والأشكال، ومن هذا المنطلق فإنّ للمنظمات غير الحكومية دوراً وقائيا، يساهم في تجسيد هذه الحماية من خلال نشر الوعي البيئي والتربية البيئية والإعلام حول حالة البيئة، وكذا دوراً علاجيا عند وقوع الاعتداءات والانتهاكات البيئية، وذلك من خلال استخدام أساليب التصعيد بالضغط على الحكومات، أو اللجوء إلى القضاء والمطالبة بوقف ذلك. الفرع الأوّل: المرحلة الوقائية. ويبرز الدور الوقائي للمنظمات غير الحكومية من خلال عملها على نشر الوعي والتربية البيئية، بالإضافة إلى تقديم المعلومات البيئية إلى الأفراد المستعملين والجمهور العلمي المتخصص. أوّلاً: نشر الوعي والتربية البيئية. إنه لمن الضروري لمواجهة التحديات البيئية تفعيل دور المنظمات غير الحكومية في المساهمة في عمليات التوعية والتربية البيئية، حتى نصل إلى الوسائل الكفيلة بتحقيق الحماية المأمولة لعناصر البيئة. ثانياً: الإعلام البيئي. تلعب المنظمات غير الحكومية دوراً إعلامياً مزدوجا اتجاه الأفراد المستعملين، واتجاه الجمهور العلمي المتخصص، الذين تكفلت المواثيق الدولية والإقليمية والوطنية، ذات الصلة بالبيئة، بضمان حقهم في الحصول على المعلومات البيئية. الفرع الثاني: المرحلة العلاجية. كلما كان هناك اعتداء كير أو خطير على البيئة أ أحد عناصرها، تلجأ هذه المنظمات إلى أسلوب التصعيد، باستعمال وسائل الضغط، التي تأخذ شكل تمرير العرائض وجمع التوقيعات، أو تنظيم احتجاجات أو مسيرات، غير أنه إذا لم تحقق هذه الوسائل النتائج المرجوة فإنه يمكن للمنظمات غير الحكومية اللجوء إلى القضاء والمطالبة بوقف الانتهاكات البيئية. أولا: الضغط على الحكومات. تلعب المنظمات غير الحكومية دوراً آخر هو الضغط على الحكومات، من خلال المواقف المعارضة أو الناهضة لسياسة ما، وذلك بغرض لفت انتباه السلطات ووضعها أمام الأمر الواقع، لجعلها تفكر بجدية في اتخاذ الإجراءات الملائمة لمواجهة الأخطار البيئية وإيجاد الحلول المناسبة لها. إن أساليب الضغط المستعملة من طرف المنظمات غير الحكومية متنوعة وعديدة، أبسطها تمرير العرائض وجمع التوقيعات للفت انتباه الرأي العام، وهو ما قامت به المجموعة الأمريكية حول الصحة العمومية حول بعض المواد الكيميائية المتسببة في الإصابة بمرض السرطان لدى الإنسان . وهناك من المنظمات غير الحكومية من لا تكتفي بتمرير العرائض وجمع التوقيعات، بل تلجأ إلى استخدام وسائل الاحتجاج المباشر غير العنيفة، ومن هذه المنظمات نجد منظمة السلام الأخضر، التي يتوجه أعضائها مباشرة إلى مكان النشاط الذي يشكل خطراً على البيئة، وبدون اللجوء إلى استخدام القوة، فإنهم يسعون إلى منع ذلك النشاط، فهم يحتجون على صيد الحيتان مثلا، لذلك نجد أعضاء منظمة السلام الأخضر يقودون الزوارق ويحولون بين الحيتان وسفن الصيد. ثانياً: اللجوء إلى القضاء. يعتبر لجوء المنظمات غير الحكومية إلى القضاء والمطالبة بوقف الانتهاكات البيئية أحد أهم الضمانات الأساسية لتفعيل الرقابة على مدى احترام القواعد البيئية، كما يعتبر وسيلة لجعل قواعد قانون حماية البيئة أكثر فعالية، وهو هدف مشترك يجمع كافة المنظمات غير الحكومية العاملة في الحقل البيئي. ومن المنظمات غير الحكومية التي لا تتوانى في استعمال الطريق القضائي إذا قدّرت خطورة برامج ومشاريع معينة على البيئة، نجد الصندوق الدولي للطبيعة، والذي قام برفع العديد من الدعاوى القضائية كان الغرض منها حماية الوسط الطبيعي، ونذكر منها دعواه أمام المحاكم النمساوية لإلغاء مشروع إنجاز سد هيدروكهربائي ضخم بمنطقة الدانوب بالنمسا، ذلك أنه كان سيقام على أرضية غاية ضخمة تعتبر الوحيدة من نوعها في كل أوربا، وعلى إثر قرارين صادرين عن المحكمة العليا النمساوي في يناير 1985 وسبتمبر 1986 الغي إنجاز هذا المشروع، فكان بذلك انتصار للصندوق الدولي في معركته. المطلب الثالث: مشاركة المنظمات غير الحكومية في تطوير قواعد القانون الدولي البيئي. وفي نطاق تطوير قواعد القانون الدولي البيئي فإنّ المنظمات غير الحكومية تقوم بنشاطات دولية متنوعة تؤثر إلى حدٍّ كبير في اتخاذ القرار السياسي في الدول، وذلك من خلال مشاركتها الفعّالة في المناقشات الدولية، وما تقدمه من دعم ومساندة للمنظمات الدولية الحكومية، كما يمكن للمنظمات غير الحكومية مراقبة مدى تنفيذ الدول لالتزاماتها البيئية وفقا للاتفاقيات الدولية، وتقديم تقارير للهيئات الدولية ذات العلاقة باعتبارها مصدراً خارجيا لنقل المعلومات. الفرع الأوّل: المشاركة في إعداد الاتفاقيات الدولية البيئية. تملك المنظمات غير الحكومية العاملة في الحقل البيئي حق المشاركة بشكل فعال في المفاوضات الدولية المتعلقة بالاتفاقيات البيئية الدولية، سواء بمنحها صفة المراقب، أو بالاستعانة بها لتمثل الدولة ضمن الوفد الرسمي المكلف بالتفاوض، إن مشاركة المنظمات غير الحكومية في مثل هذه المناقشات يسمح للدول والمنظمات الدولية الحكومية بالاستفادة من خبرتها العلمية والقانونية، وفي نفس الوقت تقوم هذه المنظمات بعرض وجهة نظرها وتقديم الحلول المناسبة للمشاكل البيئية. الفرع الثاني: الرقابة على مدى تنفيذ الدول للالتزامات الدولية البيئية. تلعب المنظمات غير الحكومية دوراً هاماً في إعمال القواعد الدولية في مجال حماية البيئة، من حيث كونها ناقلا المعلومات والبيانات المتعلقة بمدى احترام الدول للالتزامات الدولية المترتبة عليها في مجال حماية البيئة، وهي بذلك تُعدّ مصدراً خاريجا لنقل المعلومات. يمكن أن يدفع هذا المصدر الأجنبي لنقل المعلومات الذي تامنه المنظمات غير الحكومية عن مدى احترام الدول لالتزاماتها البيئية الدولية، إلى حمل الدولة الطرف على احترام التزاماتها، من خلال تدخل الأمانة الخاصة بالاتفاقية. المبحث الثاني: نماذج عن المنظمات غير الحكومية العاملة في مجال حماية البيئة. ما دامت الساحة البيئية تزخر بمنظمات غير حكومية عديدة ومنتشرة في مختلف أرجاء العالم، ستقتصر دراستنا في هذا المبحث على عرض نماذج لأهم المنظمات غير الحكومية العاملة في الحقل البيئي على مختلفة الأصعدة الدولية والإقليمية والوطنية. المطلب الأوّل: المنظمات البيئية الدولية غير الحكومية. ستقتصر دراستنا للمنظمات البيئية العالمية غير الحكومية على أكبر جماعات الضغط البيئية، والتي سنتناولها بالتفصيل كالآتي: الفرع الأوّل: الاتحاد الدولي للمحافظة على الطبيعة. يعتبر الاتحاد الدولي للمحافظة على الطبيعة منظمة بيئية دولية غير حكومية يقع مقرّها بسويسرا، أنشئت بتاريخ 05 أكتوبر 1948 بمدينة "Fontaine bleue" الفرنسية، وذلك بموجب اتفاقية دولية وقعت من طرف المنظمة العالمية للثقافة والعلوم "UNESCO" 189 دولة و107 منظمة وطنية غير حكومية و06 منظمات دولية غير حكومية. الفرع الثاني: الصندوق الدولي للطبيعة. يعتبر الصندوق الدولي للطبيعة منظمة بيئية دولية غير حكومية تحتل مكانة رائدة ضمن أكبر المنظمات العالمية المستقلة، وأوفرها خبرة في مجال المحافظة على الطبيعة، حيث يحظى الصندوق بدعم ما يزيد عن 05 ملايين شخص، ويعمل من خلال شبكة فعالة في أكثر من 100 دولة. أنشئ الصندوق رسميا في شهر سبتمبر من سنة 1961 بمدينة زيوريخ السويسرية واعتبر كهيئة خاصة في ظل القانون المدني السويسري، ومنذ سنة 1979 يوجد مقره بالعاصمة جنيف، ويتخذ الصندوق من صورة حيوان البندا الكبير المهدد بالانقراض شعاراً ورمزاً له. الفرع الثالث: منظمة السلام الأخضر. تعتبر منظمة السلام الأخضر منظمة بيئية دولية غير حكومية، ذات مركز استشاري خاص لدى المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة، أنشئت في عام 1971، يقع مقرها بمدينة أمستردام عاصمة هولندا، ولها فروع في 41 دولة، ويصل عدد منخرطيها عبر العالم إلى حوالي 4.8 مليون منخرط، ويتمتع مقرها الرئيسي وفروعها بالحصانات والامتيازات المنصوص عليها في الاتفاقيات الدولية. الفرع الرابع: منظمة أصدقاء الأرض. تعتبر منظمة أصدقاء الأرض منظمة بيئية دولية غير حكومية تأسست في عام 1971، وهي عبارة عن شبكة عالمية تجمع منظمات بيئية من 77 دولة، ولهذا يطلق عليها كذلك اسم ''الفدرالية الدولية لأصدقاء الأرض''، يقع مقرها بمدينة أمستردام عاصمة هولندا، حيث لها مكتب رئيسي صغير يؤمِّن الدعم والتنسيق للشبكة وحملاتها البيئية. المطلب الثاني: المنظمات البيئية الإقليمية غير الحكومية. إن المنظمات البيئية الإقليمية غير الحكومية عديدة، وليس المقام هنا لحصرها، لذلك ستقتصر دراستنا لهذه المنظمات، على ذكر بعض الأمثلة من المنطقة الآسيوية، والإفريقية، وحوض البحر الأبيض المتوسط. الفرع الأوّل: الاتحاد العربي لحماية البيئة. تمّ إنشاء هذا الاتحاد وفقا للائحة النظام الأساسي الموّحد للاتحادات العربية النوعية المتخصصة واتفاقية الأحكام الأساسية لها، والتي تم إقرارها بمعرفة مجلس الوحدة الاقتصادية العربية في دور الانعقاد الثامن والثلاثين بموجب القرار رقم 820 الصادر بتاريخ 02 ديسمبر 1981. إن العضوية في الاتحاد مفتوحة أمام جميع الهيئات والمؤسسات والجمعيات والأشخاص المعنيين بشكل مباشر أو غير مباشر بحماية البيئة في الوطن العربي، بما في ذلك الوزارات المعنية في مختلف البلدان العربية. ويتخذ الاتحاد من مدينة القاهرة في جمهورية مصر العربية مقرا دائما له، وله إمكانية فتح مكاتب إقليمية وفروع في عدد من الدول العربية والأجنبية، وفقا لما تقتضيه طبيعة العمل ومصلحة الاتحاد. الفرع الثاني: الشبكة العربية للبيئة والتنمية. تعتبر الشبكة العربية للبيئة والتنمية هيئة عربية غير حكومية، أنشئت أثناء تشاور المنظمات الدولية والجمعيات الأهلية بالقاهرة في شهر نوفمبر من عام 1990، للتحضير لمؤتمر الأمم المتحدة للبيئة والتنمية (مؤتمر ري ودي جانيرو) لعام 1992، حيث ايقنت المجموعة العربية المشاركة في هذا الاجتماع أهمية تنظيم نفسها من خلال تجمع يضمن التنسيق الكامل فيما بينها، كما أدركت ضرورة إنشاء كيان قوي ومؤثر وفعّال في كافة المجالات البيئية والتنموية، وكذلك إظهار الوطن العربي كمنطقة لها إمكانياتها العالية التي تضعها على مستوى المناطق الأخرى من العالم من حيث تكوين الشبكات الجهوية، ومن هذا المنطلق قررت المجموعة العربية التي اشتركت في هذا الاجتماع التشاوري إنشاء الشبكة العربية للبيئة والتنمية، والتي أطلق عليها الاسم المختصر رائد RAED. الفرع الثالث: شبكة المنظمات الإفريقية للبيئة. وهي منظمة بيئية غير حكومية، ظهرت في أعقاب إحياء الذكرى العاشرة لمؤتمر الأمم المتحدة للبيئية البشرية (مؤتمر ستوكهولم)، بنيروبي عاصمة كينيا عام 1982. أسسها 21 عضوا من مختلف الجمعيات الوطنية لدول شرق إفريقيا، بهدف سد الفراغ في مجال العمل التنموي البيئي في تلك الجهة من إفريقيا، وأيضاً بهدف أن يكون في كينيا والدول المجاورة لها دور شراكة فعلية أماما الحكومات والمنظمات الممولة، خاصة أن المنطقة تعرف تدهوراً مستمراً في مواردها البيئية. الفرع الرابع: التجمّع المتوسطي من أجل البيئة والتنمية المستدامة. وهو عبارة عن منظمة غير حكومية، تأسست في شهر نوفمبر من سنة 1995، من ائتلاف عدة جمعيات وطنية ناشطة في مجال حماية البيئة على مستوى بلدان البحر الأبيض المتوسط، يوجد مقرها الرئيسي بمدينة برشلونة الإسبانية. المطلب الثالث: المنظمات البيئية الوطنية غير الحكومية. وستقتصر دراستنا عن المنظمات البيئية الوطنية غير الحكومية، على ذكر مثالين في منطقتنا العربية، بحكم القرب والدراية بها أكثر من غيرها. الفرع الأوّل: المكتب العربي للشباب والبيئة. يعدّ المكتب العربي للشباب والبيئة منظمة بيئية وطنية غير حكومية، يقع مقره بالقاهرة عاصمة مصر، بدأ في العمل البيئي عام 1978، وقد قام منذ تأسيسه بتنفيذ العديد من المشاريع البيئية بمراحلها المختلفة، بداية بالتخطيط المعتمد على عمل الدراسات والمسح الشامل للمجتمع المستهدف، وأيضاً التحليل الجيّد للبيانات والمعلومات المتوفرة، في محاولة الوصول إلى نتائج سليمة. الفرع الثاني: جماعة الخط الأخضر البيئية الكويتية. تُعدّ جماعة الخط الأخضر منظمة بيئية وطنية غير حكومية، يقع مقرّها بدولة الكويت، تم تأسيسها سنة 2000، وهي أوّل جماعة خضراء في إقليم الخليج العربي، لها نفس أهداف الجماعات الخضراء في جميع أنحاء العالم، حيث تعتبر نموذجاً للعمل البيئي النشط والحيوي، ووسيلة من وسائل نشر الوعي البيئي، ومواجهة أي تعدّيات تتعرض لها البيئة. خــاتمة لقد توصلنا إلى أنّ المنظّمات غير الحكومية على اختلاف حدود نشاطها أثبتت بأنّها الأداة التي يستطيع بواسطتها المجتمع الدّولي المعاصر تعديل قواعد العمل الدّولية الجاري بها العمل من طرف الدول والمنظّمات الدّولية الحكومية، وحمل الدول على تطبيق الاتِّفاقيات الدّولية البيئية، والمساهمة مساهمة فعّالة في إعداد ومتابعة كبريات الندوات الدّولية المعنية بشؤون حماية البيئة، والعمل في مجال التحسيس والتوعية بالمشاكل البيئية، كما تبيّن لنا بأنّ هذه المنظّمات لعبت دوراً لا غنى عنه في تحديد الأخطار والتقييم الآثار البيئية واتخاذ الإجراءات المناسبة لمعالجتها، كما قامت برصد الإهتمام العامّ والسِّياسي بالقضايا البيئية، ونشر التقارير الدّولية والوطنية عن الحالة البيئية، ورفع السرية عن بعض التجاوزات، وتحويل المشكلة البيئية من مشكلة علمية إلى مشكلة سياسية، ومن ثمّ يمكن القول بأنّ هذه المنظّمات تحوّلت الآن إلى منظمات احترافية، لأنّها لم تعد ترتكز –فقط- على قوتها التجنيدية، بل أيضاً على قدرتها في التّحليل والتّفكير والإقتراح في كبريات المسائل البيئية. ويمكننا في نهاية المطاف أن نقدِّم بعض التوصيات والإقتراحات التي تساعد – في اعتقادنا- على تفعيل دور المنظّمات غير الحكومية في مجال حماية البيئة من شتى جوانبها، وهي كما يلي: 0 يجب أن يقام حوار مثمر، على نحو متبادل، على الصعيد الدّولي والمحلي، بين جميع الحكومات والمنظّمات غير الحكومية البيئية، بغية الإعتراف بدور كلٍّ منها في تنفيذ برامج حماية البيئة، وتعزيز هذه الأدوار. 0 ينبغي على الحكومات والهيئات الدّولية الحكومية إشراك المنظّمات غير الحكومية في تصميم وإنشاء الآليات الحكومية الرامية إلى حماية البيئة وإصلاحها. 0 على الحكومات والهيئات الدّولية الحكومية مراعاة النتائج التي تتوصل إليها آليات الرصد وتقييم السياسات البيئية لدى المنظّمات غير الحكومية، والعمل انطلاقا منها على تصميم وإعداد برامج أفضل خاصّة بحماية البيئة.
URI/URL: http://hdl.handle.net/123456789/541
Collection(s) :Droit

Fichier(s) constituant ce document :

Fichier Description TailleFormat
RESUME.pdf211,79 kBAdobe PDFVoir/Ouvrir
View Statistics

Tous les documents dans DSpace sont protégés par copyright, avec tous droits réservés.

 

Ce site utilise la plate-forme Dspace version 3.2-Copyright ©2014.