عدوى الإصابات المنقولة في المستشفى

Abstract

عدوى الإصابات المنقولة في المستشفى Infections nosocomiales أو عدوى المستشفيات Infections hospitalières ولدت هذه الظاهرة مع المستشفيات، بمعنى أن هذا الخطر الصحي يصيب المرضى أثناء تلقيهم أو بالتزامن مع تلقيهم العلاج في المستشفى، وتكثر على وجه الخصوص في المستشفيات التي يتمركز فيها عدد كبير من المرضى لاسيما المراكز الإستشفائية الجامعية (CHU) والمؤسسات العمومية الاستشفائية (EPH)، ذلك أن هذا النوع من المؤسسات الصحية تكثر فيها حالات التدخل الجراحي التي تعتبر إحدى أهم مصادر العدوى. وعليه، فإنه للوقاية من الأضرار الخطيرة والإستثنائية التي تسببها ظاهرة العدوى phénomène nosocomiales ،فإن التقنينات المقارنة خاصة القانون الفرنسي تبنى العديد من الوسائل الإحتياطية التي تمنع انتشار العدوى داخل البيئة الإستشفائية وانتقالها إلى المرضى والتي تتمثل فيما يلي: ـــــــ التعامل الآمن والإستعمال الجيد لمنتجات الدم الغير ثابت نظرا لأنها ناقل خطير للعدوى الفيروسية والبكتيرية، وتسمى هذه التقنية القانونية الوقائية Techniques juridiques préventivesفي قانون الصحة العمومية الفرنسي بــــ hémovigilence. ــــــ التعامل الآمن واليقظ والإستعمال الجيد لعناصر ومنتجات جسم الإنسان وهو مايعرف بـbiovigilence . ـــــ الإستعمال الجيد للمعدات الطبية وهو ما يعرف بـــ matériovigilence. ــــــ التخلص من النفايات الإستشفائية Elimination des déchets hospitalières والتطبيق الجيد للصيدلية الإستشفائية Pharmacie hospitalière . ـــــ هذا فضلا عن التعامل الحذر مع الماء داخل البيئة الإستشفائية، نظرا لأنه ناقل خطير للعدوى خاصة ما يعرف بمرض Legionella spp الذي يعتبر في فرنسا من الأمراض التي يجب الإعلان عنها، وذلك منذ صدور المرسوم رقم87/1012 المؤرخ في 11/12/1987 . أما بالنسبة لموقف المشرع الجزائري، فإن تلك التقنيات الوقائية التي تمنع انتقال العدوى إلى المرضى بقيت في حدود التعليمات والمقررات الصادرة عن وزارة الصحة ولم تكتسي بعد الصبغة التشريعية. ومن أهم المسائل التي تواجه الباحث في هذا الموضوع، هو أحكام المسؤولية الطبية سواء كنا بصدد المسؤولية المدنية أو مسؤولية المرافق الصحية العمومية ـــــ المسؤولية الإدارية ـــــ ذلك أن نظرية المسؤولية في مجال عدوى المستشفيات قد صورها الفقه والقضاء في فرنسا تصويرا مغايرا لتلك الأفكار التقليدية الموروثة عن القانون المدني الصادر سنة 1804 وكذلك القانون الإداري في الشق المتعلق بالمسؤولية الإدارية وذلك على النحو التالي: ـــــــ أما في مجال المسؤولية المدنية: فطبيعتها في مجال عدوى المستشفيات هي مسؤولية عقدية موضوعية، ذلك أنه منذ أن قامت محكمة النقض الفرنسية بإدراج ما يعرف بالإلتزام بالسلامة بتحقيق نتيجة Obligation de sécurité de résultat في نطاق كل من العقد الطبي والعقد الإستشفائي وذلك في القرارات الشهيرة الصادرة سنة 1999 المعروفة بــArrêts staphylocoques dorés ،قال الخبراء في فرنسا معلقين على هذا القرار أنه في مجال عدوى المستشفيات يلتزم كل من الطبيب والمستشفى الخاص بحماية السلامة الجسدية للمرضى وتحقيق السلامة التقنية داخل البيئة الإستشفائية وذلك في النطاق العقدي، وحماية السلامة الجسدية هو واجب قانوني عام وليس مجرد التزام عقدي، لذلك يقول الفقه أن المسؤولية العقدية ادعت لنفسها مجالا هو في الحقيقة من اختصاص المسؤولية التقصيرية مما ترتب عن ذلك ميلاد مسؤولية عقدية موضوعية تضاهي فكرة المسؤولية التقصيرية الموضوعية التي ظهرت منذ عقود لحماية العمال في فرنسا. ـــــــ أما في مجال المسؤولية الإدارية: فالأصل هو المسؤولية على أساس الخطأ، بمعنى أنه لاسبيل للمضرور للحصول على تعويض إذا انتقلت إليه العدوى داخل المرفق الصحي العمومي، إلا إذا أثبت عناصر المسؤولية الثلاث وهي الخطأ والضرر والعلاقة السببية، وطبيعة الخطأ هنا هو خطأ بسيط Faute simple في مجال تنظيم وتسيير المرفق الصحي العمومي L’organisation et fonctionnement du service، ولكن نظرا لصعوبة الإثبات في هذا النوع من القضايا، وتسهيلا على المريض الحصول على التعويض، أعمل مجلس الدولة الفرنسي سلطته المنشئة في هذا المجال وأسس مسؤولية المرفق الصحي العمومي في مجال عدوى المستشفيات على أساس فكرة قرينة الخطأ Faute présumée وذلك في القرار المرجعي الصادر سنة 1988 المعروف بقرار cohen، ولقد اختلف الفقه الفرنسي في تفسيره لطبيعة تلك القرينة الواردة في قرار "كوهان"، والرأي الراجح في المسألة والذي يحقق مصلحة المرضى، هو الذي أسس مسؤولية المرافق الصحية العمومية في مجال عدوى المستشفيات على أساس فكرة المخاطر الإستشفائية Risques hospitaliers. وبما أن هذا النظام القانوني الجديد للمسؤولية الطبية في مجال عدوى المستشفيات جاء متكيفا ومتلائما مع الهياكل الصحية، فقد تم إقراره من قبل القوانين الفرنسية لاسيما قانون 04 مارس 2002 المتعلق بحقوق المرضى ونوعية النظام الصحي المعروف بـ Loi Kouchner، وقانون 30 ديسمبر 2002 المتعلق بالمسؤولية المدنية الطبية، والمادة 1148/1 من قانون الصحة العمومية، مما يدل على أن المسؤولية الطبية في مجال عدوى المستشفيات لم تبق في حدود الإجتهاد القضائي، بل امتدت إليها يد التقنين وأخرجتها من نطاق القواعد العامة للمسؤولية المدنية وأصبح لها نظام قانوني خاص بها . وأهم شيء استحدثته هذه القوانين هو أن تعويض ضحايا عدوى المستشفيات أصبح من إختصاص المكتب الوطني للتعويض عن الحوادث الطبية ONIAM مع ما أثاره هذا النظام التعويضي الجديد من جدل في فرنسا، بمعنى أن هذا النظام هل يعتبر نظاما إستثنائيا يقوم إلى جانب القواعد العامة في المسؤولية المدنية لتعويض ضحايا عدوى المستشفيات، أم هو صورة من صور المسؤولية الجماعية التي نادى بها الفقيه "سافتيه" والتي مفادها أن التعويض هو من اختصاص الدولة عن طريق الميزانية العامة أو الصناديق المخصصة لذلك أو مايعرف بالتعويض على أساس فكرة التضامن الوطني Solidarité nationale. ويجب أن نشير في هذا الصدد أن المشرع الجزائري تبنى هو اللآخر هذا النظام التعويضي الجديد في نص المادة 140 مكرر من القانون المدني التي تنص على أنه: " إذا انعدم المسؤول عن الضرر الجسماني ولم تكن للمتضرر يد فيه، تتكفل الدولة بالتعويض عن هذا الضرر." وفعلا تدخل المشرع الجزائري في بعض الحوادث التي تنجم عنها أضرار جسمانية وبين كيفية التعويض وإجراءاته والجهة المكلفة بذلك لاسيما في مجال حوادث العمل وحوادث المرور ومخاطر المظاهرات والتهجمات وأعمال العنف، أما ضحايا عدوى المستشفيات فلا زالت محكومة في القانون الجزائري بالقواعد العامة في المسؤولية المدن