DSpace
 

Dspace de universite Djillali Liabes de SBA >
Mémoire de Magister >
Droit >

Veuillez utiliser cette adresse pour citer ce document : http://hdl.handle.net/123456789/475

Titre: مسؤولية القابلة وطبيب التوليد
Auteur(s): DJENDOULI Fatima Zohra , BOUDALI Mohamed
Date de publication: 3-nov-2013
Résumé: لقد كان لتسارع وتيرة التطور العلمي والتكنولوجي أثر كبير على شتى المجالات الحياتية، وقد امتد ذلك ليشمل المجال الطبي، هذا الأخير الذي اعتبر في البدايات الأولى من الطابوهات التي لا يجوز الحديث عنها ولا التعرض إليها لارتباطها بأفكار عتيقة يعجز الفكر الإنساني عن الخوض في غمارها والتصدي لما يتعارض وأحكامها. ولقد ساهم في تدعيم هذا الطرح اعتبارات عديدة يتعلق بعضها بمهنة الطب ويتعلق بعضها الآخر بممتهنيها، فإذا كان الغرض من التطبب علاج السقم والبحث وراء تخليص المريض من الألم، فإنه ينبغي منح مقدمي تلك الخدمات قدرا من الحرية وإحاطتهم بسياج من الحماية وجعلهم في منأى عن كل مسؤولية. لهذه الاعتبارات ظل موضوع الطب بعيدا كل البعد عن الدراسات السلبية العقيمة، إذ وضعت حواجز يصعب تخطيها، ووجدت ضوابط يمنع مخالفة ما يتعارض وتنظيمها، فظلت الدراسات في هذا الميدان مقتصرة على أصحاب الفن والتخصص، وذلك كله لتعزيز خطواته والرقي بالخدمات المقدمة فيه. ولكن اتضح فيما بعد أن الرقي بهذه الخدمات لن يكون ممكنا، نتيجة لتعقد الجسم البشري، فالنجاح ومواجهة الصعوبات التي تعترض مسار رجل الفن مسائل تستوجب التخصص، لذلك ظهرت بوادر هذه الفكرة في أوليات الحياة، إذ وجد إلى جانب الطبيب العام، الجراح، والمتخصص في جراحة الأعصاب، العيون، التجميل، والتوليد. والواقع أن كل التخصصات الطبية بحاجة إلى دراسة وتحليل لارتباطها بجسم الإنسان بل وبحياته، بيد أن موضوع التوليد يعد من أهم المواضيع وأصعبها، بل هو من أدق التخصصات الطبية وأبرزها مكانة، ذلك أنه لا يرتبط بجسم واحد، بل يرتبط بكائنين حيين، ويمتد زمنيا ليهتم بشريحة عمرية منذ الولادة وإلى غاية نهاية الحياة، وأكثر من ذلك يرتبط هذا التخصص بنظام الأسرة التي تعد نواة المجتمع والركن المؤسس لعنصر الشعب في الدولة. من هذا المنطلق، يتضح أن موضوع خدمات الصحة الإنجابية ورعاية الأمومة والطفولة بصفة عامة وموضوع التوليد بصفة خاصة، يشكل حقيقة يقرها الجاهل قبل العالم، ويدركها الأمي قبل المثقف، ويؤكدها العقل والمنطق، بل ويدعمها الشارع بآياته وسيد الخلق بأحاديثه، وتنظمها التشريعات في مدوناتها، وتحويها ثنايا الكتب في شتى المجالات الاجتماعية والإنسانية. لأجل ذلك، نجد أن التناسل كلمة ورغم قلة حروفها، يتعاظم معناها لتمحوره حول معنى الوجود والبقاء، وتمركزه حول جدوى الدوام والكمال، وارتباطه بمعان متعددة كالحياة والزواج. والحقيقة أن هذه الكلمات، وإن كانت تفيض من منابع متفرقة، إلا أنها تصب في مورد واحدة، وتهدف إلى تحقيق غاية دائمة، وتسعى إلى تجسيد فكرة غير زائلة، بل هي كلمات متناسقة تسمح بتشكيل حلقات متكاملة تترابط فيما بينها لتؤكد حقيقة واقعة بدايتها رغبة محددة ونهايتها غاية مأمولة تحيكها أياد آمنة، أطلقت عليها في البدايات التاريخية أسماء متعددة كالمولدة، إلا أن أشهرها وأذيعها كان الداية المهتمة بفن التوليد. وعليه ينبغي الذكر، أن التوليد كان في البدايات الأولى حتمية وجودية يُدعم الأساس الشخصي لممارستها الرغبة في ضمان الاستمرارية، ويُحرك جوهرها غريزة المرأة في البقاء لتلمس نعمة الولد، إلا أنه أصبح بعد فترة وجيزة عادة موروثة تتناقلها النسوة وتُمارسها ذوات الخبرة المكتسبة، ثم تحول الأمر بعد تغير المفاهيم وتعقد الحياة اليومية وانتشار المشاكل التوليدية بصورة لا متناهية إلى مسألة وجوبية، يتكون المتخصصون فيها وفق برامج معينة ويُؤطرون في أماكن منظمة لتطلق عليهم أسماء محددة تُستنبط من مهامهم المقدمة، ليتم إدراجهم بسبب وحدة الغرض المشترك من مهامهم ضمن فئة معينة يطلق عليها إجمالا فئة القائمين بالتوليد. هذه الفئة وإن اقتصرت في المرحلة الأولى على صورة واحدة ألا وهي صورة القابلة، إلا أنها اتسعت بسبب ارتفاع نسبة الوفيات وكثرة تعقيدات الولادة لتشمل تخصصا أكثر دقة، ألا وهو طبيب التوليد، الذي تشعبت مهامه لتحوي إلى جانب تلك المقدمة من قبل القابلة مهاما أخرى تمتاز بالدقة وترتكز شأن مهام القابلة على فئة المنتفعين من خدمات التوليد، هذه الفئة التي لا يمكن إلا وصفها بالفئة الأكثر جهلا، الأقل تكوينا، الأشد خوفا، والأضعف خبرة. وبسبب الخصائص المميزة لهذه الفئة سعت التشريعات إلى الاهتمام بها من الناحيتين التنظيمية والتكوينية، إذ تم تكوين إطارات متخصصة كما وتم إنشاء أماكن مجهزة لضمان الرفاهية اللازمة للفئة المستفيدة من هذا القطاع الحساس. وقد كانت الدولة الجزائرية كغيرها من الدول سباقة في هذا المجال، إذ سعت إلى سن النصوص القانونية المحددة لفئة القائمين بالتوليد، والمبينة للفئة المستفيدة منها، كما وعمدت إلى ضبط الأحكام القانونية الخاصة بالأماكن التي تقدم على مستواها تلك الخدمات، وإلى جانب ذلك أدرجت كل التقنيات المستحدثة لرفع المستوى الخدماتي والنهوض بقطاع التوليد. والحقيقة أن الأمر لم يقتصر على ذلك الحد، بل منح للمستفيدين حق ممارسة الخيار فيما يتعلق بأماكن تلقي خدمات التوليد، كما تم تمكينهم من الدمج بين الخدمات المقدمة على مستوى القطاعين العام والخاص، وذلك كله حسب ما يتلاءم والمستوى الاجتماعي لتلك الفئة. وقد كانت استراتيجية المشرع الجزائري أكثر شمولا، إذ اتسعت الخطة السياسية لتشمل إلى جانب ذلك مهام القائمين بالتوليد، فإذا كان الغرض من تدخل تلك الفئة مساعدة المرأة ومتابعتها طيلة مراحل حملها للوصول بها إلى بر الأمان وتمكينها من استقبال مولود جديد في أفضل الظروف الممكنة، إلا أنه ينبغي التأكيد أن المهام الملقاة على عاتقهم لا تعدوا أن تكون مجرد التزامات قانونية، بل هي قبل كل شيء التزامات أخلاقية تحكمها آداب مهنية وتؤسس لها نصوص تشريعية، لتكتسي في الأخير خصوصيات متعددة أخلاقية، طبية، وقانونية، وتصنف وفق معايير إنسانية وأخرى تقنية. تشمل الأولى حق المنتفع في الإعلام، والمحافظة على الكرامة الإنسانية والخصوصية الشخصية المستنبطة من المعلومات المكتسبة أثناء التعرف على المنتفعين من تلك الخدمات، في حين تشمل الثانية متابعة تطور الحالة الصحية لهم لضمان حقهم في الحياة وفي السلامة البدنية. هذه المبادئ التي أصبحت مع تطور التقنيات العلمية المستحدثة وانتشار الأجهزة الطبية المعقدة من المبادئ الأساسية والجوهرية الراسخة، فتعقد حالات الولادة وارتفاع نسبة الوفيات أثناء تقديم الخدمات التوليدية يستوجب الوصول بقطاع رعاية الأمومة والطفولة إلى مستوى الرفاهية المطلوبة. ورغم كل هذه المجهودات الجبارة والتنظيمات الدقيقة تفاقمت المشاكل الميدانية أثناء تنفيذ القابلة وطبيب التوليد للالتزامات الملقاة على عاتقهم، فانتشرت في الساحة العملية تجاوزات جسيمة وحالات مستعصية بليغة، ترتب عليها ثورة علمية خطيرة سمحت لغير المتخصصين في مجال فن التوليد بالإدلاء بدولهم. وقد كانت وسائل الإعلام رائدة في هذا المجال، من خلال تتبع الأنباء ورصد الأخبار وشحن الرأي العام وتنبيه المنتفعين لما قد يتعرضون له مع توعيتهم بأبسط وأهم ضروريات الحياة، وقد كان من ثمار ذلك انتشار الوعي الثقافي لدى فئة المنتفعات من خدمات التوليد وارتفاع عدد الدعاوى المرفوعة ضد القائمين بالتوليد جراء إخلالهم بالالتزامات الملقاة على عاتقهم، وهو الأمر الذي ساهم في صحوة رجال القانون وتكافل جهودهم لإماطة اللجام عن الموضوع الذي ظل لفترة زمنية غير قابل للنقاش، وتسليط الضوء على فكرة إمكانية مسائلة القابلة وطبيب التوليد، وذلك بعد وضع الحوادث والأخطاء المرتكبة تحت المجهر وتحليلها لتحديد إمكانية خضوعها للأحكام العامة للمسؤولية القانونية. والحقيقة أن أثر الدهشة كان أشد وقعا على المختصين من رجال القانون، إذ تبين أن موضوع المسؤولية الطبية بصفة عامة، ومسؤولية القائمين بالتوليد بصفة خاصة لم يكن وليد العصور المتأخرة ، وإنما هو موضوع قديم ضربت جذوره أعماق التاريخ الإنساني وتشعبت فروعه بسبب التحولات التقنية التي شهدها علم التوليد، وإدراك المنتفعات لحقوقهم ومعرفتهم للالتزامات الملقاة على عاتق المتخصصين في مراقبتهن لتشمل مجمل فروع القانون الداخلي وبالأخص منها القانون الإداري، القانون المدني، والقانون الجزائي. فممارسة القائمين بالتوليد لوظيفتهم في إطار القطاعات العامة يسمح بتدخل القانون الإداري، كما وتتدخل أحكام القانون المدني لسد الثغرات القانونية البارزة في ذلك النطاق، وتمتد لتشمل ممارستهم لمهامهم في القطاع الخاص، بل ويوسع مجال العمل به ليطبق باعتباره الشريعة العامة ومنهل العلوم القانونية لإنصاف المتضررين وتعويضهم عن الأضرار التي تلحق بهم جراء تلقيهم لخدمات العلاج، كما وتنساب نصوص القانون الجزائي لكفالة الحماية الفعالة لفئة المنتفعات من خدمات التوليد، وذلك بتطبيق العقوبات السالبة للحرية والغرامات المالية على مرتكبي الأعمال المجرمة والمحضورة. ونظرا لتعدد زوايا هذا البحث وتشعبها ستتمحور الدراسة للإجابة على الإشكالية التالية، ماهي الآليات التي رصدها المشرع الجزائري لكفالة الحماية الفعالة للفئة المستفيدة من خدمات القابلة وطبيب والتوليد؟ وإذا كانت هذه هي الإشكالية المحورية، فإن هناك إشكاليات أخرى تنبثق عنها، إذ يطرح التساؤل عن المقصود بالفئة المنتفعة من خدمات التوليد؟ وهل تشمل تلك الفئة كافة أفراد المجتمع؟ وما هي الجهات التي تُقدم على مستواها تلك الخدمات؟ وهل يُمكن تقديم الخدمات التوليدية في القطاعين العام والخاص؟ وما هي الطبيعة القانونية للعلاقات الناجمة عن الأطراف الفاعلة؟ وما هو المعيار الذي على أساسه يمكن تصنيف التزامات القائمين بالتوليد؟ ومامدى كفاية النصوص القانونية العامة لمواجهة مجمل المعوقات التي تعترض مسار رجل الفن والتخصص في المجالين الطبي والقانوني؟ وماهي الضمانات التي كرستها النصوص القانونية لتوفير الحماية اللازمة للأطراف الفاعلة؟ وهل وُفق المشرع الجزائري في صياغته للنصوص القانونية الخاصة بفئة مقدمي خدمات التوليد والفئة المستفيدة منها؟ وكيف تصدى للمشاكل التي قد تثور أثناء تنفيذ القائمين بالتوليد لمهامهم؟ إن الإجابة على هذه الإشكاليات يستوجب إتباع المنهج التحليلي، من خلال تحليل مجمل النصوص القانونية المرتبطة بالدراسة محل البحث، على أن يتم اللجوء إلى الآراء الفقهية والأحكام القضائية في حالة غياب أو قصور التنظيم القانوني لمسألة معينة. ونظرا لعدم كفاية هذا المنهج، فقد تمت الاستعانة بالمنهج التاريخي في حالات معينة، وذلك للتعرف على أصل الدراسة وتبيين تأثير التطورات الحياتية على هذا المجال، إضافة إلى ذلك فقد تم توسل المنهج المقارن، إذ تم الاعتماد على بعض التشريعات العربية فيما لم يرد بشأنه التنظيم ومنها التشريع المصري، والتشريع الليبي، كما وتمت الاستعانة بالتشريع والقضاء الفرنسي، ذلك أنه يعد رائدا في هذا المجال، إذ يعود له قصب السبق في رسم الإطار العام لهذا الموضوع. وقد تم الأخذ بكل هذا رغبة منا في زيادة التراكمية العلمية، سواء الكمية منها أو النوعية، وكذا للاطلاع على تجارب الدول الرائدة في هذا المجال، ولتحديد بعض الموجبات التي ينبغي على المشرع الجزائري الأخذ بها، وتبنيها للحاق بالركب في هذا الموضوع. ولبيان هذا كله، تم الاعتماد على الخطة الثنائية، إذ عالجنا الموضوع عبر فصلين، خصصنا الأول لبيان الأحكام القانونية المنظمة لمهنة القائمين بالتوليد، وذلك عبر مبحثين، تعرضنا في المبحث الأول، للأطراف الفاعلة في تنظيم المهنة وأماكن مزاولة النشاط، ثم تطرقنا في المبحث الثاني، لبيان التزامات مقدمي خدمات التوليد. في حين خصصنا الفصل الثاني لبيان جزاء الإخلال بالأحكام القانونية المنظمة لمهنة القائمين بالتوليد، تطرقنا في المبحث الأول لبيان المسؤولية المدنية للقائم بالتوليد، في حين تعرضنا في المبحث الثاني لبيان المسؤولية الجزائية للقائم بالتوليد. من خلال الدراسة الماثلة، يتضح أن موضوع مسؤولية القابلة وطبيب التوليد كان وما يزال من المواضيع الحساسة التي هي بحاجة إلى دراسة أكثر تحليلا، ولعل سبب ذلك يرجع إلى ارتفاع نسبة الوفيات المتوازي مع ازدياد عدد الولادات، تعدد أماكن تقديم خدمات التوليد، تداخل التخصصات الفنية، وانتشار الأجهزة الطبية المعقدة. والواقع أن هذه المعطيات تؤكد الطابع الفني الدقيق والتقني المعقد الذي تتميز به الخدمات التوليدية فتجعل منه مجالا محفوفا بالمخاطر محاطا بالصعوبات، وغير منصف للمنتفعين من خدماته، فالضوابط التقنية السائدة في هذا المجال تُقيد حرية رجل القانون، وتمنعه من أداء رسالته الرامية إلى إنصاف ضحايا الخدمات التوليدية، وهو ما لا يمكن له تجاوزه إلا من خلال معرفته للتقنيات التوليدية وإلمامه بالأحكام القانونية. ولهذه الأسباب أصبحت مسألة تجاوز مجمل المعوقات التي يطرحها الواقع في هذا المجال مسألة صعبة وجد شاقة، إذ لا يمكن تخطيها إلا عن طريق التنظيم الدقيق والتجهيز المحكم لكل ما يحيط به، وهو الأمر الذي دفع المشرع الجزائري إلى سن العديد من النصوص القانونية العامة المنظمة لمهنة الطب، وكذا الخاصة بالأطراف الفاعلة في الخدمات التوليدية. إذ اتضح أنه منح لفئة القائمين بالتوليد مهمة الرعاية الطبية للمنتفعات من تلك الخدمات، وجعل تلك الفئة شاملة لكل من القابلة وطبيب التوليد، بل وحدد الإطار العام لكل منهما، مع إيراده لرتب معينة ضمن سلك القابلات يستلزم الالتحاق بها تأطيرا دقيقا وتكوينا مستمرا واكتسابا متواصلا للخبرات الفنية، كما وأوجد تخصص طبيب التوليد لمراقبة الحالات المعقدة، وفي المقابل وسع من مفهوم المنتفعين من خدمات التوليد إذ جعله شاملا لأفراد لا يستفيدون من الخدمات التوليدية بطريقة مباشرة، كما وعمد إلى تنظيم أماكن تقديم خدمات التوليد، دون إجراء موازنة بين القطاعين العام والخاص، وامتد تنظيمه ليشمل حالات خاصة أفرزها الواقع العملي كحالة الولادة بالمنزل. وأكثر من ذلك يلاحظ أن المشرع الجزائري سعى إلى ضبط الخدمات التوليدية من خلال بيانه للالتزامات الملقاة على عاتق مقدميها، ولم يقتصر على الالتزامات الطبية بل شملها بالالتزامات الأخلاقية باعتبارها أساس مهنتهم، إذ بين المعاملة التي ينبغي أن تسود العلاقة بين مقدمي الخدمات والمنتفعين منها، ووضح مجمل الإرشادات التي ينبغي العمل بها لخلق جو من الانسجام والتوافق بينهما، وركز على ضرورة الإعلام عبر مجمل مراحل المتابعة، كما وعمد إلى منح المنتفعات قدرا من الضمانات التي تُشعرهم بالارتياح اتجاه حياتهم الخاصة. هذا من جهة، ومن جهة أخرى رصد كافة الإمكانيات التقنية الرامية إلى توفير الرعاية الطبية اللازمة، ووضع الحدود التي ينبغي أخدها بعين الاعتبار عند استخدام تلك الأجهزة لما يترتب عليها من أضرار في حال الحيدة عنها، وعليه يلاحظ أن المشرع لم يكتف بإلزام القائمين بالتوليد بتقديم خدمات التوليد لفئة المنتفعات، بل وسعى في المقابل إلى إلزامهم بضمان الحفاظ على سلامتهن. وفي هذا السياق ينبغي الذكر أن المشرع الجزائري وإن كان حريصا على تلبية مجمل متطلبات الأطراف الفاعلة بما في ذلك القائمين بالتوليد، من خلال تدخله السريع بسن النصوص القانونية المحسنة لوضعيتهم والموفرة لاحتياجاتهم والمبينة لشروط التحاقهم بوظيفتهم وممارستهم لمهامهم، إلا أنه لم يتطرق للجانب المتعلق بمسؤوليتهم في حالة إخلالهم بالالتزامات الملقاة على عاتقهم إلا بموجب نصوص عامة، في حين أن قطاع رعاية الأمومة والطفولة بحاجة إلى مثل تلك النصوص. وعليه ينبغي الذكر أن النهوض بهذا القطاع لن يكون من خلال تلبية متطلبات مقدمي خدماته، ولا من خلال إلزامهم بالتزامات قانونية، وإنما ينبغي العمل عل حل المعادلة الصعبة والموازنة بين حقوقهم وحقوق المنتفعين من تلك الخدمات، وهو مالا يمكن تحقيقه إلا ببيان أحكام المسؤولية الواجب تطبيقها على منتهك الالتزامات ومخالف الواجبات. فالاكتفاء بالقواعد العامة في مجال المسؤولية المدنية لا يترتب عليه إنصاف الطرف المتضرر، بل يجعله في مواجهة فكرة اللاعدالة القانونية، فالمسؤولية الخطئية أصبحت بسبب تطور تقنيات التوليد وتعدد أسباب الإصابة بالسقم عبر مختلف مراحل الحمل والولادة عاجزة عن استيعاب كل الحالات التي يطرحها الواقع العملي، كما أن فكرة التعويض التقليدية أصبحت قاصرة عن إنصاف المتضررين وهو ما دفع بعض التشريعات ومنها التشريع الفرنسي متأثرا بما توصل إليه القضاء المبدع في هذا المجال إلى تبني أسس حديثة للمسؤولية المدنية تقوم تارة على افتراض الخطأ وتارة أخرى على نظرية المخاطر الإدارية المنعكسة في جانبها المدني على فكرة ضمان سلامة المنتفعين من خدمات التوليد. وإذا كانت الأسس التقليدية والحديثة في صورتها المجتمعة تؤكد الحماية الفعالة لفئة المنتفعات من تلك الخدمات، إلا أنها في الوقت ذاته تُقيد من استقلالية مقدميها وتجعلهم في تخوف مستمر من فكرة المسؤولية، وهو ما لا يتلاءم وروح العمل التوليدي القائم على التحدي والإبداع وتجاوز الحدود المفروضة إذا اقتضى الأمر ذلك لإنقاذ حياة المنتفعين من تلك الخدمات. ونظرا لتأثير هذه الحقائق على قطاع رعاية الأمومة والطفولة، يلاحظ أن المشرع الجزائري وعلى غرار غيره من التشريعات سعى إلى مواجهة قصور الأحكام القانونية المتعلقة بالتعويض والواردة في مجال المسؤولية المدنية من خلال تبنيه لفكرة إجبارية التأمين، والتي بمقتضاها يُخول القائمين بالتوليد قدرا من الحرية لممارسة مهامهم. ولكن رغم نجاعة فكرة التأمين، إلا أن الارتباط الوثيق بينها وبين فكرة مساءلة محدث الضرر أو المتسبب فيه أمام مرفق القضاء يجعل القائمين بالتوليد في تخوف مستمر، لما في ذلك من مساس بسمعتهم والتي تعد أساس مهنتهم. وفي هذا يلاحظ أن المشرع الفرنسي عمد إلى تجاوز تلك المسألة عن طريق وسيلة فنية يتم من خلالها تعويض المتضررين وتحرير القائمين بالتوليد من فكرة المساءلة أمام مرفق القضاء، وتتمثل تلك الوسيلة في إنشاء لجان وطنية قائمة على إجراءات ودية سابقة على اللجوء إلى مرفق القضاء يتم من خلالها تعويض المتضررين بواسطة الصناديق الوطنية المخصصة لذلك. وبين هذا وذاك، ينبغي الذكر أن مهمة هذه اللجان مقتصرة على مسائل التعويضات، ودون تلك المتعلقة بالجزاءات، وعليه ارتكاب القائم بالتوليد عملا مجرما يجعله تحت طائلة العقوبات المقررة بموجب النص التجريمي لا يكون من اختصاص هذه اللجان. وللإشارة فإن أغلب الجرائم المرتكبة من طرف القائمين بالتوليد تكون إما مهنية وإما مرتبطة بكيان الأسرة، وتشمل الجرائم المهنية ممارسة المهنة دون توفر الشروط المقررة قانونا بموجب النص التشريعي، تجاوز مقدمي خدمات التوليد حدود مباشرتهم لمهامهم -وهو ما اتضح غالبا بالنسبة للقابلة-، واستخدامهم لأجهزة غير تلك المسموح بها قانونا بموجب الشهادة العاكسة لتخصصهم، وتحرير شهادات طبية مخالفة للحالة الواقعية. هذا عن الجرائم المهنية، أما الجرائم المرتبطة بكيان الأسرة، فتكون إما واقعة على الحمل أو الحامل أو عليهما معا، وبخصوص الجرائم الواقعة على الحمل فإنها تكون مرتكبة عليه قبل الميلاد، أو بعده وتشمل هذه الأخيرة الحيلولة دون التعرف على شخصيته من خلال عدم التصريح بميلاده، في حين تشمل الجرائم الواقعة عليه قبل ميلاده التخلص منه عن طريق إجهاضه ودون وجود ضرورة علاجية. والحقيقة أن المشرع الجزائري وإن كان قد ضبط الأحكام العامة المتعلقة بالإجهاض، إلا أنه لم يتدارك ما أفرزه الواقع العملي من معوقات بسبب انتشار تقنية التلقيح الصناعي، كحالة تحطيم البويضات الملقحة التي تعد بداية تشكل الجنين، ضف إلى ذلك أن سلبيات هذه التقنية لم تعد مقتصرة على الجنين، بل امتدت لتشمل كيان الأسرة من خلال المساس بأهم عنصر فيها ألا وهو الحامل، فالتلقيح دون الحصول على رضائها أو برضائها ولكن بمني شخص آخر غير مني زوجها يترتب عليه خرق للشروط القانونية المحددة في قانون الأسرة والمساس بمبدأ الحرية الشخصية لأحد طرفي العلاقة الزوجية حسب الحالة المرتكب فيها التلقيح. ولكن ينبغي الذكر أن عدم تجريم ما أفرزته تقنية التلقيح الصناعي من أعمال ماسة بالحامل لا يعني عدم كفالة الحماية القانونية لها فقط في هذا الجانب، ذلك أن هناك أعمالا أخرى تندرج ضمن ذات الطائفة ونُظمت بموجب نصوص قانونية عامة، ومن ذلك تجريم إفشاء الأسرار المهنية التي يطلع عليها القائم بالتوليد خلال تأديته لمهامه، وكذا امتناعه عن تقديم المساعدة لها. والأصل أن هذه الجرائم وإن كانت ماسة بالحمل أو الحامل، إلا أنها تظل في الوقت ذاته شاملة لهما ومنعكسة على الأسرة بكاملها، كون أنهما جزءان متكاملان وفاعلان فيها، ولا يمكن فصلهما عن بعضهما إلا بعد مرحلة الولادة، وإن كان ذلك يتم فإنه يحدث بصورة نسبية. هذا عن الجرائم الخاصة بكل منهما، أما الجرائم المشتركة بينهما فنجدها تشمل إمكانية ارتكاب القائم بالتوليد لجريمة الجرح الخطأ، القتل بصورتيه الخطأ والعمد، والذي أخد يبرز في المجال الطبي مؤخرا في صورة جديدة، ألا وهي صورة القتل بدافع الشفقة. من خلال ما سبق، يتضح نقص وعجز المنظومة التشريعية عن توفير الحماية الفعالة للمشكلات التي يطرحها موضوع مسؤولية القابلة وطبيب التوليد، وعليه نأمل من المشرع الجزائري التدخل لسد النقص الوارد في هذا المجال، ومواكبة المستجدات العلمية والتطورات التقنية التي أفرزها الواقع العملي. ففي مجال الأحكام المنظمة لمهنة القائمين بالتوليد، يتوجب عليه العمل على تجاوز التعارض الموجود بين النصوص القانونية سيما تلك المتعلقة بالمنتفع المباشر من خدمات التوليد، فقد سبق أن بينا التعارض الموجود بين أحكام قانون الأسرة الجزائري وتلك الواردة في قانون العقوبات والمتعلقة بالإجهاض هذا من جهة، ومن جهة أخرى ينبغي عليه العمل على حل المشكلات العملية التي تطرحها الحالات الخاصة بأماكن تقديم الخدمات، وبصفة أساسية حالة الاستشفاء عن طريق الإجلاء، إذ لم نجد النصوص القانونية المنظمة لها رغم انتشار هذه الحالة وتعقد المشاكل التي تثور بصدد اللجوء لها. كما ونتمنى من المشرع الجزائري العمل على إصدار منظومة أخلاقية خاصة بسلك القابلات موازية لقانون أخلاقيات مهنة الطب المنظم لكافة أسلاك الأطباء بما في ذلك أطباء التوليد، إذ لا يجب الاكتفاء بالأعراف السائدة في ذلك المجال، بل ينبغي إدراجها ضمن نصوص قانونية يتمكن الباحث من الاعتماد عليها. هذا عن الشق الأول، أما الشق الثاني، والمتعلق بالجزاء المترتب على الإخلال بالأحكام المنظمة لمهنة القائمين بالتوليد، فينبغي على المشرع التدخل على وجه السرعة لإيجاد منظومة تشريعية خاصة، وإفراد نصوص قانونية دقيقة تُكرس الأسس الحديثة التي أخد بها المشرع الفرنسي خاصة تلك التي أدرجها قانون 4 مارس 2002 المتعلق بحقوق المرضى وجودة النظام الصحي، مع العمل على إنشاء لجان طبية خاصة مهمتها تحديد مقدار الضرر ليتم تعويضه من طرف الصناديق المخصصة لذلك، ودون إنهاك كاهل المتضرر من اللجوء إلى القضاء وإتباع الإجراءات المعقدة. كما ويجب على المشرع في المجال الجزائي، العمل على توسيع النص الخاص بالممارسة غير المشروعة بجعلها شاملة لحالة استخدام الأجهزة الطبية في الإطار الخارج عن نطاق تخصصه، وكذا الاهتمام بسد الثغرات القانونية التي أفرزتها تقنية التلقيح الاصطناعي، وذلك كله لسد الباب على مصراعيه في وجه ذوي النفوس الضعيفة العاملين على اغتنام الهوة الناجمة عن الفراغ التشريعي الفاضح في هذا المجال، وذلك إما بتوسيع مجال جريمة الإجهاض لتشمل تحطيم البويضات الملقحة أو سن نص جزائي خاص بتجريم هذه الحالة، وفي نفس الوقت العمل على تجريم ما يثور بسبب تجاوز شروط التلقيح الاصطناعي وبصفة خاصة إجراء التلقيح دون رضاء الزوجة، أو برضائها وبمني شخص آخر، وذلك لجعل القضاء الجزائري مبدعا منصفا للضحايا ومحققا للعدالة، والحقيقة أن تجسيد كل هذه الأهداف لا يمكن تحققه إلا بتكريس فكرة التخصص على أرض الواقع سواء من حيث القضاة أو من حيث المحامين.
URI/URL: http://hdl.handle.net/123456789/475
Collection(s) :Droit

Fichier(s) constituant ce document :

Fichier Description TailleFormat
resume.pdf62,86 kBAdobe PDFVoir/Ouvrir
View Statistics

Tous les documents dans DSpace sont protégés par copyright, avec tous droits réservés.

 

Ce site utilise la plate-forme Dspace version 3.2-Copyright ©2014.