السّرديّات في النّقد المغاربيّ: تطبيقات الزّمن السّرديّ –أنموذجا-

Abstract

تطمح هذه الدّراسة إلى محاولة تقصّي النّظر في أشكال التلقّي المنهجيّ لمقولة الزّمن في السّرديّات المغاربيّة، ومساءلة الجهاز الاصطلاحيّ والمفاهيميّ الذي تواضع عليه النّقّاد المغاربيّون في دراسة الزّمن في خطاب المحكيّ الرّوائيّ. ومن أجل تحقيق هذا المطمح المعرفي وهذه الغاية المنهجيّة، اقتضت خطوات البحث ومسالكه أن توقف الدّراسة عجلتها، أوّلا عند أهمّ اللّحظات الحاسمة والمحطّات التّاريخيّة لتأسيس السّرديّات، وعند ماهيتها وحدودها ومرجعيّاتها في منابتها الأصليّة وفي مواطن تمثّلها العربيّة والمغاربيّة بشكل خاصّ، وذلك من أجل اصطناع الأرضيّة التي ينتصب عليها ويتهيّأ بحث موضوع الزّمن في السّرديّات المغاربيّة بشكل عام. تركّز الاهتمام -بعد ذلك- بداية من الفصل الثّاني على دراسة مقولة أساسيّة من مقولات السّرديّات -وهي مقولة الزّمن- في النّقد الرّوائيّ المغاربيّ؛ إذ اقتضت الدّراسة من هذا الفصل أن يكون ميدانا لاستعراض أهمّ القضايا الإشكاليّة التي تطرحها مقولة الزّمن ومناقشها في مختلف ميادين التّفكير البشريّ وفي جميع مجالاته، ومن خلال ذلك بيّنت الدّراسة في هذا الفصل، بأنّ مقولة الزّمن -بوصفها قضيّة إشكاليّة- شغلت التّفكير البشريّ قديما وحديثا، وتنازعتها ميادين مختلفة وحقول معرفيّة متنوّعة، وأثير حولها كثير من النّقاش والجدل، وطرحت بشأنها العديد من التّساؤلات والاستفسارات بلغت حدّ الحيرة والدّهشة والاستغراب. وقد بيّنت الدّراسة كذلك، بأنّ الفلسفة كانت أولى مجالات الاهتمام بالزّمن قبل أن تستأثر به عقول المتصوّفة والمفكّرين واللّغويّين، فكان لكلّ منها نظرة خاصّة ورؤية مغايرة له. كما بيّنت الدّراسة أيضا بأنّه كان للنّقد الأدبي نصيب من هذا الاهتمام، ولا سيّما في ميدان تحليل الخطاب السّردي والدّراسات السّرديّة الحديثة؛ إذ حظيت مقولة الزّمن كذلك باهتمام لافت على أيدي النّقّاد البنيويّين وبخاصّة "جيرار جينات" الذي تمكّن من تشييد نموذج في دراسة الزّمن -لم يسبق له مثيل- لقي قبولا كبيرا واستحسانا لافتا في الدّراسات النّقديّة والسّرديّة المعاصرة. من هذا المنطلق كان المعوّل في الفصل الثّالث على النّصوص النّقديّة المغاربيّة التي أعلنت ولاءها المنهجيّ لتطبيقات الزّمن السّرديّ، وبالخصوص لتطبيقات النّموذج الزّمني لجيرار جينات وتقنيّاته التّحليليّة التي أجراها على خطاب المحكيّ الرّوائيّ، وذلك في محاولة لتوصيف المنجز النّقديّ المغاربيّ لخطاب الزّمن وعرضه على آلة النّقد والتّقويم من خلال النّظر في تطبيقات بعض النّماذج النّقديّة من جميع أقطار المغرب العربيّ (الجزائر، المغرب، تونس، ليبيا، موريتانيا) رآها البحث كفيلة برسم واقع التّجربة النّقديّة في دارسة الزّمن السّرديّ في النّقد الرّوائي المغاربيّ، وامتلاك صورة واضحة المعالم والملامح عن مرجعيّات النّقاد المغاربيّين ومنهاجيّاتهم في دراسة الزّمن في خطاب المحكيّ، وطرائق اشتغالهم، ومستويات تمثّلهم المنهجيّ لمختلف إجراءاته وتقنيّاته الزّمنيّة. لمّا كان الاشتغال في الفصل الثّالث متركّزا على استكشاف المرجعيّات النّقديّة والمنهجيّات التّطبيقيّة والإجرائيّة المكوّنة للمتون النّقديّة المغاربيّة في دراسة الزّمن السّرديّ، تعيّن عندها العناية في الفصل الرّابع ببحث قضايا المصطلح النّقديّ -حسب ما ينصّ عليه منهج نقد النّقد- وحصر مجال اهتمامه في معاينة طرائق تعامل النّقاد المغاربيّين مع مصطلحات النّموذج الزّمنيّ لدى "جيرار جينات" -بشكل محدّد- اشتغالا وتوظيفا وترجمة، ورصد أبرز مظاهر هذا التّعامل ومختلف أشكاله من خلال تفحّص طريقة وضع المصطلح واشتقاقه عند بعض النّماذج النّقديّة، ومن خلال وضع بعض الجداول الإحصائيّة التي مكّنت الدّراسة من الوقوف على معظم التّرجمات المستعملة للمصطلح الزّمنيّ في السّرديّات المغاربيّة، وقادت إلى مناقشة هذه الاستعمالات الاصطلاحيّة وتعدّدها وتنوّعها، وعقد مقارنة بين مفاهيمها ومدلولاتها في محاضنها ومرجعيّاتها الأصليّة، وبين مفاهيمها ومدلولاتها في بيئات استقبالها وتلقّيها العربيّة والمغاربيّة، ممّا أتاح إمكانيّة قبول بعضها وترجيحه، وردّ بعضها الآخر وإبطاله، إمّا لعدم انسجامه وتوافقه مع المرجعيّات الأصليّة للمصطلح الأجنبيّ، وإمّا لعدم وجود مسوّغات له في معاجم اللّغة أو كتب البلاغة العربيّة تبرّر استعماله وتعلّل تواجده في السّاحة النّقديّة الرّوائيّة العربيّة.